samedi 23 avril 2011

الشعب يريد دخول السجون

  

خالد ثائر واجه السلطة... بالأرض الشريفة المعروفة بالمملكة السعودية. هو شاب ﻻ ينقصه كما تدل على ذلك سيارته شيء من خيرات الدنيا المادية، وهو كما قال متزوج وأب ل4 أطفال يعيش استقرارا عاطفيا. لكن ينقصه الكثير من متطلبات العيش الكريم، تنقصه الحرية كما قال وهي أساس الشعور بالكرامة قوام الحياة الانسانية. وقد عبر بكل بسالة وبكل شجاعة للصحافيين عما  يخالج ضمائر الشباب والكثيرين من سكان المملكة. هو غير راض بنظام الحكم في بلده، وقد قال فيه قليلاً من كثير . وبيني وبينك هو حكم ما فيه ما يعجب


إن كان التونسيون ثاروا على زين المجرمين لأنه دكتاتور وأهله بالعشرات متنفذون ينهبون  خيرات تونس. فالأحرى أن يطالب بالتغيير ساكنو الأرض الشريفة الذين تحكمهم عائلة مالكة مستبدة، حكمها مطلق، يعد أفرادها بالآﻻف كلهم يعيشون عيش الأمراء يشفطون ملايين الدوﻻرات. ومن يتحصل منهم على منصب يشيخ فيه ويهرم  حتى يموت ويورثه بعده. الناس ليسوا  مواطنين فليس لديهم مفهوم الوطن  بل هم رعايا  والواقع أنهم أقرب إلى الموالي  لأن مناصب السيادة ممنوعة عنهم،  ﻻ يتوﻻها غير أفراد العائلة المالكة . يعي المرء منهم على الدنيا فيرى وجوها عديدة تشيخ أمام عينيه ﻻ تغادر منصبها إﻻ إلى القبر. والناس  هناك ﻻ ينسبون بالجنسية إلى الأرض بل إلى ملوك الأرض فهم سعوديون.  إن الجنسية هي لقب أوسع  يشترك فيه أبناء الأرض الواحدة التي هي الوطن. وإنّ ما يوحد أبنا ء الوطن ويعزز بينهم روابط الأخوة هو هذا اللقب  الأوسع الذي هو الجنسية التي يتضاءل أمام جلال قدرها اللقب العائلي. إن العائلة المالكة تفرض على الجميع، على شعب أصيل وعريق يحمل أفراده ألقابا ضاربة في جذور الزمان والمجد كالقيسى والجهني والشمري والعنزي والطائي والقحطاني والشيباني...وغيرها من الألقاب التي يعرفها العرب في كل الأصقاع، تفرض عليهم لقبها: سعودي، هكذا تعسفا. وواقع الحال يؤكد أن هذا الحكم  ﻻ شرعية دينية له وﻻ شرعية تاريخية، وأهل مكة وما واﻻها من الأرض أدرى بتاريخهم. ولو أُنصفت تلك الأرض المقدسة التي هي مسرح حياتهم ومنبع ثراهم  لأعلوها على لقبهم فسموا مثلاً ما يتشاركون العيش في إطاره دولة الأرض الشريفة أو حتى مملكة الأرض الشريفة  وتكون جنسية ساكنها: شريف. هل تعلم أنه، بعد سقوط الدولة البهلوية في فارس،ﻻ يوجد على وجه الأرض بين مملكات الدنيا غير هذه المملكة تُسمّى باسم ملوكها؟


أما على المستويات السياسية  والاجتماعية فهذا  النظام يراكم الأخطاء بأن جعل نفسه تابعا لأميركا، وجعل مجتمعه مستهلكا ترتفع فيه نسبة الجهل والأمية بشكل مريع بين الرجال فضلاً عن النساء اللاتي تمثلن  نصف المجتمع، وهو نصف معطل. نساء الرعية أغلبهن أميات  ولكن الأميرات كما تثبت الشرائط التي تبث على الفيس بوك تتعلمن أحسن علام وفي المدارس الغربية وتعشن هناك حياة عصرية وتقدن السيارة وﻻ حاجة لهن بالانتخاب، ترشحا وتصويتا، فهن أصحاب السلطة  أصلاً. وإن من حق خالد أن يقلق في هذا المناخ على مستقبل أبنائه. هذا ولقد أهدرالحكام طاقات البلاد في حروب لا ناقة لشعبهم فيها وﻻ جمل. وحتى تتبين مدى إفلاس حكمهم قارن أحوال مملكتم بأحوال إيران  الدولة الجارة من حيث الموارد والمساحة والتنمية والتعليم ووضعية المراة ومشاركة الناس في الحكم والمعارضة والتقدم العلمي والتكنولوجي والاختراعات. يقولون إن إيران تريد بهم شرا. وهم قد فعلوا بأنفسهم وبشعبهم كل الشر. ما الذي منعهم من أن يكونوا في مثل قوتها؟ أليس لديهم كل المقومات التي يمكن أن تجعلهم قوة إقليمية؟  يمنعهم من ذلك الأنانية وحب الحكم والاستبداد بالسلطة وفساد السياسة والتدبير.  الحكام في إيران يتنافسون بالانتخاب لخدمة إيران. أما هم، العائلة المالكة، فيتقاسمون كعكة الحكم في توافق،  بالستر. ﻻ يصنعون الكفاءات لأنهم يخشونها فحكم الجهلة أيسر من حكم المتنورين، وﻻ يشركونها إن وجدت  في صناعة القرار. ولأنهم ﻻ شرعية لهم يخافون على سلطتهم، فيمنعون  الناس من  حقوقهم،  من حرية التظاهر ومن حق التعبير عن الرأي. يدفعون المال  لشراء سكوت الناس عن حقهم،  يعتقدون أن بالمال يمكن شراء خضوع الناس وعزوفهم عن الكرامة إلى الأبد. إنهم ﻻ يريدون أن يسمعوا غير صوتهم وصوت فقهاء السلاطين الذين همهم أن يفتحوا لهم أبوابا في الشرع، ودليل ذلك فتاواهم:  طاعة ولي الأمر واجبة ولوأكل مالك وجلد ظهرك ، والتظاهر حرام لأنه خروج عن ولي الأمر... ,أيّ وليّ أمر هذا؟ ومن وﻻّه؟ وفي أي عصر يعيش هؤﻻء؟ لقد سدوا، ملوكا وفقهاء،  أبواب الاجتهاد في الدين الاسلامي السمح الجديد المتجدد  حتى يحافظوا على مصالحهم، ويواصلوا انتهاك  حقوق الانسان  واسترقاق البشر


أين خالد؟...خالد الذي كسر حاجز الخوف...وعبّرعن تطلعات  شعبه في التغيير وفي التعليم وفي الحرية والديمقراطية والكرامة، وفي مستقبل اًفضل ﻷبنائهم ذكورا وإناثا. وقد تبين من خلال هذا التداعي للاحتجاج أن نظام الحكم  مستعد لأن يعطي حتى يبقى في السلطة مرتاح البال، وهو في الحقيقة ﻻ يعطي شيئا، وإنما هي مقدرات الناس يعطيهم من حقهم عطايا وكأنها منة منه. يتصرف فيها تصرفا مطلقا وهي مقدرات ضخمة يدل على ذلك جزيل العطاء، صرف مرتب شهرين للموظفين، ودفع للعاطلين عن العمل، شكرا ومكافأة للناس على عدم الخروج إلى الشارع من أجل التظاهر. وتبين، أيضا، أنه مستعد أن يأخذ...يأخذ حرية خالد؟...حرية الناس في سبيل الحفاظ على الحكم


مرّ الأمر على هذا الشكل في التجربة الأولى من الاحتجاج، ولكن ﻻ أحد يدري ماذا سيحدث في المرات اللاحقة. وﻻ ينبغي أن يستهان بعبقرية أي شعب.  هذا ما استشرفه منذ عقود طويلة أبو القاسم الشابي  الشاعر التونسي المشهور ملهم الثورة التونسية ببيتيه الشهيرين من النشيد الوطني التونسي
إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر
وﻻ بد للظلم أن ينجلـــــي *** وﻻ بد للقيد أن ينكســــر
استشرف أن القدر في صف الشعوب لانها مستضعفة وتطلب حقا فطريا. واستشرف، كذلك مقولة عبقرية الشعوب كما يبدو من بيته التالي
أنت يا شعبي قوّة عبقريّة  ***  لم تسسها فكرة ذات بأس. اهتدى الشعب التونسي  بعبقريته إلى الفكرة  ذات البأس أخيرا: أن الحياة  بلا كرامة  كالعدم، وأن الحرية من الكرامة، وأن الكرامة كما الحرية غالية ﻻ يفرط فيها ولو كان الثمن ضريبة الدم. وقد ساسته هذه الفكرة وكرس قوته علي درب الثورة على الطاغية ونظامه
 
إن واقع الشعوب العربية واحد، ويقيني راسخ في أن لكل شعب عبقريته في مواجهة طاغيته. وعبقرية الشعب الشريف الذي يمثله خالد تمثلت في هذا الشعار العظيم الذي رفعه باسمهم: الشعب يريد دخول السجون... إن حسه الرهف بالكرامة جعل عذاب السجن، يدخله مناضلاً في سبيل الحرية والمعرفة والديمقراطية، أهون لديه من حياة مستكينة ذليلة مهمّشة  






. .

lundi 18 avril 2011

لن يتعمق الباجي كثيرا، فقاع البئر قريبة

طلعت علينا الهيئة ذات الاسم الطويل، الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. هذا الاسم أريد له أن يكون جامعا واعيا. فعسر استحضاره  وتذكره لدى عموم الناس . واضح أن في هذه التسمية  تشقيق وتنميق بدليل أنه غاب عنها  سمة الهيئة الأساسية وهي كونها استشارية، إذ ليس بيدها أن تُلزم  بالقرارات وﻻ ان تحقق أهداف الثورة فعلاً وﻻ أن تقود الإصلاح السياسي واﻻنتقال الديمقراطي.  وكان بالإمكان تسميتها الهيئة العليا الاستشارية  لتحقيق أهداف الثورة. وإنما الإصلاح السياسي وما يتعلق به والانتقال الديمقراطي في صميم أهداف الثورة.  وستركز هذه المداخلة على مشروع المرسومين الهامين  نتاج  عمل الهيئة هما : طريقة الاقتراع لانتخاب المجلس التأسيسي و منع المنتمين لحزب الرئيس المخلوع المنحل من الترشح إلى هذا المجلس

جدال في اجتماعات الهيئة وعلى الفضائيات المختلفة حول أي نظام يعتمد في انتخاب المجلس التأسيسي يضمن تمثيلاً افضل للشعب التونسي فيه. وقر القرار بعد التصويت بالأغلبية على أن نظام الاقتراع على القوائم مع اعتبار مبدإ النسبية هو الأنسب لتونس في هذه المرحلة من تاريخها. وقد أكد ذلك العديد من خبراء القانون. ووقع ضبط عدد الافراد المدرجين على القوائم وهو 4 مع التزام مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة ومبدأ المراورحة في ترتيب الجنسين على القائمة. وقد اعتبر مبدأ المناصفة هذا  ثوريا لم ترق إليه أكبر ديمقراطيات العالم. لكن  عدم التنصيص على تمثيل الشباب الذين تدين لهم تونس بالثورة في القوائم  يعد نقيصة  تخل بالتمثيلية الصحيحة للمجتمع ولكل قواه الفاعلة. وفضلاً عن ذلك يرى بعض المحللين أن مبدأي المناصفة والمراوحة  في حد ذاتهما ليسا ضامنين لتمثيل الجنسين بطريقة متساوية في حال  ترأس الأمين العام للحزب وهو رجل في الأغلب  أو أي رجل آخر من الحزب القائمة. ولن تكون المرأة ممثلة بالتساوي مع زميلها في الحزب إﻻ في حالتين من أربع. فعندما يفوز الحزب بمقعد في المجلس يسند إلى راس القائمة وهو رجل، وفي حال فاز بمقعدبن يكون رجل وامراة. في حال فاز ب3 يكون رجلان وامرأة ، في حال فاز بأربعة مقاعد يحدث التساوي بين الجنسين مرة ثانية. فالمناصفة في التمثيل ﻻ تتحقق إﻻ في الحالتين الثانية والرابعة. وإن صح العزم وخلصت النية  من الأحزاب فهم قادرون على تحقيق المناصفة  وذلك بجعل نصف قوائمهم تتصدرها السيدات والنصف الآخر يتصدره السادة. وعندئذ، فقط، نقترب من مبدإ المناصفة.  وهذا المبدإ ، رغم أنه ﻻ يضمن مساواة الجنسين في التمثيل لأنه يمكن إفراغه من هدفة بالممارسة التي سبق تفصيلها، هو محل جدل وتأويل: بعض أعضاء الهيئة يريدون اعتباره شرطا ملزما في القائمة بحيث تسقط بعدم توفره. وبعضهم يريد تخفيض حضور النسوة على القائمات من النصف  إلى الربع، وبعضهم الآخر يريد اعتباره اختياريا على القوائم. فكل يريد أن يفصل قانونا على مقاسه

ولقد أقرت هذه الهيئة كذلك  مشروع مرسوم يمنع الترشح لانتخابات المجلس التأسيسي يوم 24من جويلية 2011  عن المنتسبين إلى حزب المخلوع- حزب التجمع السيئ الفعل والذكر- ممن تولوا مناصب  متنفذة وأساؤوا للشعب في العهد البائد، ويضاف إليهم، كذلك، من ناشد زين المجرمين الهارب إلى السعودية ليخرق الدستور ويترشح إلى انتخابات سنة  2014.  ولم يُُحجّر على هؤﻻء وغيرهم من التجمعيين حق التصويت . وقد ﻻقى هذا المرسوم استنكارا من التجمعيين، وذلك ﻷن بعض شخصيات التجمع، وبعد الثورة وحل حزبهم مباشرة، بادروا  إلى تأسيس أحزاب أخرى قصد الالتفاف على تبعات الثورة وأحكامها والتجمع فيها من جديد لخوض غمار العمل السياسي وكأن شيئا لم يكن. واعتبر بعض آخر منهم  أن هذا القرار إقصائي بحقهم ونفذوا احتجاجات  هدّد فيها بعض العناصر في شريط بث على الفيس بوك  بحمام دم، ورفعوا تطلعاتهم إلى الحكومة. وتجدر الملاحظة أن الغالب على  المزاج العام في تونس هو تقبل هذا المقترح بارتياح واعتبر إجراء وقائيا للثورة، وﻻ يرقى إلى مستوى الانتقام أو الاجتثاث كما حدث في ثورات أخرى في التاريخ. فهذه الزمرة أمسكت مقاليد البلاد على مدى 23 عاما  وقادتها إلى التهلكة وكانت شاهدة على الفساد ومشاركة فيه. فهل يأتمنها عاقل من جديد على تونس في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة؟

      ورغم الانتقادات التي وجهت إلى الهيئة في مستوى تمثيلها لأطياف الشعب التونسي وفي مستوى شرعيتها، فإن التوجه العام ينزع إلى قبول هذه المقترحات، فالناس حريصون على الخروج من هذه المرحلة إلانتقالية التي ﻻ تستند إلى دستور، إلى مرحلة جديدة، إلى الشرعية، بعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي. ﻻ بد أن نذكّر أن مراسيم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة استشارية وهي في نهاية الأمر مجرّد مقترحات، وأن الكلمة الفصل ستكون للحكومة الانتقالية. وفي هذا الإطار دعا الوزير الأول الباجي قائد السبسي  الوﻻة  لتدارس هذه المراسيم المشاريع. إﻻ أنه أعطى، في كلمته التي ألقاها أمام الوﻻة الحضور، فكرة عن التوجه الذي ستسير إليه الأمور، عندما قال بالنسبة إلى فكرة المناصفة بين الرجل والمرأة في القائمات الانتخابية،هوقرار ثوري حتى البلدان المتقدمة مازالت لم تحققه. أما  مشروع قرار منع أتباع الحزب المنحل من الترشح إلى انتخابات المجلس التأسيسي  فقد اعتبر أنه  يحتاج إلى تعمق

هكذا مارست تلك الهيئة العليا على مدى أيام نشاطها في جلسات كان أغلبها صاخبا عاصفا. مارست اللعبة، لعبة الديمقراطية بكل بشغف وحماس و توصلت إلى مقترحات اعتبرت تقدمية. ولكن الحسابات النهائية بيد السيد  الباجي قايد السبسي، وهو لن يتعمق كثيرا فقاع البئر قريبة، وأتوقع أن يجعل الحسبة كلها مثلما في الكارطة باجي، ﻻ طعم لها: كأن يجعل مشاركة المراة في القائمة الانتخابية ضرورية ولكن ﻻ ترتبط بنسبة معينة ويترك ذلك لتقدير الأحزاب وإمكاناتها. أما عن مشاركة التجمعيين في الترشح للانتخابات، فسيُصار إلى منع كل من أدانهم القضاء من هؤﻻء بتهم ثابتة دون غيرهم... والحال أن مقاضاة التجمعيين من أركان النظام البائد تسير بخطى سلحفاة مصابة بفقر الدم... وبعد حين لن يذكر التونسي من هذه الهيئة العليا شيئا ﻻ اسمها الذي هو في طول الحنش وﻻ إنجازها الذي سيُلتف عليه  فيصبح لا قيمة له ، في وزن القش. ومن يعرف عقلية قايد السبسي ﻻ يستغرب هكذا توجه. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحال، كيف سيتقبل الشارع الأمر لو صدق هذا الطرح...؟ 

mardi 12 avril 2011

فلنصطف جميعا ...حتى ﻻ تقرن ثورة تونس بالفوضى

تشهد البلاد موجات من الفوضى متلاحقة أو متزامنة إلى حد جعل  الإحباط  والخوف من الحاضر كما من المستقبل  يراود أفئدة وعقول التونسيين. من  وراء هذه الفوضى؟  ومن له مصلحة  من عموم الفوضى وعدم الاستقرار؟ إن من يقف وراء الأوضاع المتردية والانخرام الحاصل في تونس أطراف متعددة  قد تلتقي دوافعها وقد تفترق ولكن  آثار تحركاتها سلبية على هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا

 الطرف الأول: كما يقال: يقرص من تحت لتحت، وهم أيتام المخلوع ممن ﻻيرون ﻷنفسهم مكانا وﻻ مطمعا فى المشهد السياسي الديمقراطي المستقبلي، يبثون الفوضى بالمال وبالتحريض وبالاستفزاز وميليشياهم مازالت حاركة، وهم يطبقون بذلك قانونا أنانيا: إذا ما نلعب  نحرم، ﻷنهم متأكدين  من أن الأمور خرجت من أيديهم، يريدون أن يحن الناس إلى زمانهم، إلى الحكم البوليسي، فيقولون على الأقل كان فيه أمن للمواطن... بل ويطمحون إلى أكثر من ذلك، إلى إجهاض الثورة، ويراهنون على تخريب هذه المرحلة الانتقالية  التي هي لبنة في بناء الديمقراطية

الطرف الثاني هم السلفيون:   قسم منهم بدأ بالحكم فعلاً حال انفراط عقد النظام البائد. يحاكمون الناس، ويعتدون على مخالفيهم في الرأي  وحتى في المظهر، نساء ورجاﻻ،  بالعنف اللفظي والعنف المادي ويعتدون على أملاك المواطنين، ويخرقون قوانين البلاد خرقا واضحا في استفزاز مبين.  وهؤﻻء، أعداء الجمهورية. وقد  تـنبّه الملاحظون إلى أن القسم الآخر من السلفيين وهو حزب النهضة  الذى دخل لعبة الديمقراطية لم يشجب  هذه الممارسات العدائية  للمعتدين  على حق المجتمع التونسي في حياة مستقرة ﻻ شغب فيها، لان هؤﻻء سيمثلون بالتأكيد جزءا هاما من قاعدة  الحزب الانتخابية.  وإن  هذين الطرفين، الأول والثاني،  حريصان على إفشال العمل السياسي في الوقت الراهن. وما من أحد ينكر أن هذه الحكومة الانتقالية، سواء كنا ممن يعتبرها شرعية أو ممن يعتبرها غير ذلك، وبما لها وبما عليها، هي شكل من أشكال الحكم الحداثي. والطرفان، وإن كان كل منهما يستند إلى اعتباره الخاص،  يجتمعان في أنهما ﻻ يريدان لهكذا حكم أن ينجح، وﻻ لهكذا مرحلة أن تؤتي ثمارا ديمقراطية حقيقية

الطرف الثالث : هو مكون ﻻ يخلو منه مجتمع من المجتمعات . هم الخارجون عن القانون ومن لفّ لفهم ممن يزدهر نشاطهم كلما كان هناك فلتان أمنى. وهؤﻻء عادة ﻻ يشتغلون بالسياسة، ولكن  يشتغلون بتصفية الحسابات وبكل وسائل الكسب غير المشروعة من سرقة ونهب واعتداءات


الطرف الرابع : هم من تبنوا في سلوكهم المثل السائر: نحب نقوي سعدي تو تو...هؤﻻء الذين يضربون ويحتجون ويعتصمون ليحققوا فورا في مؤسساتهم مطالب  فرطوا فيها وسكتوا عنها على مدى 23 عاما .  يطالبون حكومة مؤقتة لم يبق من عمرها   سوى 3 أشهر ان تسوي كل مشاكلهم  وكل مشاكل البلاد. يدخل تحركهم في إطار لي ذراع الحكومة وأخذ مصالح المواطنين رهينة يساومون يها على تحقيق مصالحهم التي ﻻ أشك في شرعيتها، ولكن عندي مأخذ على توقيتها. إضرابات الشرطة والبلديات والصحة والنقل والمصانع إلخ ... أدخلت الضيم على مجرايات حياة المواطنبن اليومية  وعطلت المرافق العامة ونشرت الفوضى والزبلة وروائحها. وربما تنذر بالأوبئة. وينضاف إلى هؤﻻء شرائح من العاطلين أو المعطلين عن العمل. وأنا أقرأ الآن على الفيس بوك خبرا ورد في التونسي.كوم أن مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل بالحامة قد نفذت تهديدها بقطع المياه التي تضخ من آبار شط الفجيج عن مدينة قابس بداعي عدم الاستجابة لمطالبهم بتوفير فرص عمل في المجمع الكيميائي التونسي 

في رأيي ينبغي في هذه المرحلة الدقيقة من حياة تونس أن نصطف جميعا مهما كانت مشاربنا واتجاهاتنا واختلافاتنا ومطالبنا لإنجاح هذه المرحلة لنكشف وجه التونسي الحقيقي، التونسي المتعقل، المتحضر،  التونسي الذي قلبه على المعطلين عن العمل.، هو الذي يعمل وإن كان ﻻ يرضى تماما عن ظروف عمله،   التونسي الذي قلبه على مصلحة تونس  واقتصادها، و على سمعة ثورتها، هذه الثورة القدوة ، حتىﻻ تقرن بالفوضى 

dimanche 3 avril 2011

فقدت الاحتجاجات وهجها وفاعليتها


 
خيرات الثورة علينا كثيرة...منها التفات الناس إلى مجريات عيشهم يتفحّصونها فتبين لهم قبح ما كانوا يعيشونه، وظهر لهم زيف آمالهم وأحلامهم، وما يخضعون له من ذلّ المفعولية ... واكتشفوا فيما اكتشفوا بالفطرة أن التونسي مسؤول عن  حياته ينحتها ويؤثثها بسعيه ﻻ بهبة تعطى وﻻ بتعليمات ومراسيم رئاسية. فتم، في هذه الحقبة من حياة التوانسة،  تصحيح العلاقة بين المواطن والمسؤول، واستدعيت من اللغة مصطلحات تعبر عن ممارسات ﻻ عهد لنا بها إﻻ قليلاً من قبيل الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات التي إذا وظّفت بنجاعة و مسؤولية تؤكد  فاعلية الفرد وفاعلية المجتمع في نيل حقوقه وفرض إرادته

إنّ  هذه الممارسات  المذكورة هي وسائل ضغط، منها ماهو للتنبيه، ومنها ما هو للتحذير، ومنها ما هو لليّ الذراع لتحقيق المطالب. وإن المتتبع لهذه الحركية الجديدة في المجتمع التونسي، وخاصة في العاصمة، يتبين ضربا من الإجحاف في استعمال هذا الحق. ويلاحظ أن مخالفي الحكومة في الرأي يذهبون مباشرة إلى أقصى درجات الاحتجاج وهو الاعتصام: لن نبرح مكاننا حتى تلبى مطالبنا. الاحتجاجات، بأنواعها، لتواترها  وكثرتها في هذه الفترة الانتقالية أصبحت يومية، كل يوم تنطّ جماعة إلى القصبة، أو إلى أمام المسرح أو إلى شارع الحبيب بورقيبة. وكل شيء زاد عن الحدّ انقلب إلى الضدّ. لقد فقدت الاحتجاجات وهجها وفاعليتها وأصبحت ﻻ يعتدّ بها. وأدخلت إرباكا على الحياة العادية للمواطنين، فضاق بها الناس ذرعا. فضلاً عن أنه ﻻ يمكن عمليا  أن تلبى مطالب كل المحتجين لان أشكال الاحتجاجات ذاتها ﻻ تحظى بإجماع، وكذا مواضيعها وطريقة ممارستها. ولقد تابعت مقطعا من المسيرة نحو القصبة يوم الجمعة 1 افريل 2011 بثت فعالياتها مباشرة على الأنترنت، وقد حز في نفسي هبوط مستوى بعض المشاركين فيها الذين طعموا أغنية الثورة الصافية الجميلة النقية: محلى القعدة علميّة ، محلى الربيع *** محلى الثورة التونسية، تضم الجميع، بمقاطع سباب نابية بحق رئيس الوزراء. تدلّ على ولدنة وعدم مسؤولية. إن ما قاله رئيس الحكومة من أنه موجود ليحكم، وﻻ يقبل أن يشاركه في ذلك أحد دليل على أنه قادر على تحمل المسؤولية ومقدر لتبعاتها، وﻻ يقبل أن يكون لعبة تحركها الميول

لكن ما العمل إذا كانت هناك أمور جدية ﻻ تقبل تأجيل النظر فيها؟ مثل سرعة محاكمة  رموز النظام البائد والمسؤولين عن التجاوزات  والقتلة، ومثل حرمان رموز التجمع من الالتفاف على الثورة بالعودة إلى الحياة السياسية في شكل أحزاب جديدة... هنا يأتي دور السلطة الرابعة: الإعلام وسيلة الضغط الفعّالة في الديمقراطيّات. فالباجي قايد السبسي يكتب ويقرأ كما يقال: لقدام ولتالي= للأمام والخلف، أي باللغتين العربية والفرنسية وتبين من مؤتمر صحفي أقامه أنه يفهم الانقليزية وإن لم يتحفنا بكلامه بها. ينبغي أن تثبت هذه السلطة الرابعة فعاليتها، إضافة إلى شخصيات المجتمع المدني التي عليها أن تبين أنها قادرة على الريادة والفعل والإقناع لتعين الحكومة في اتخاذ القرارات  الصحيحة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ تونس