samedi 29 octobre 2011

حتى يكون للضمانات معنى


أسمع وأقرأ  تبادل الاتهامات، وحتّى التجريحات بعد نتائج الانتخابات، من سخونة المرحلة، وحماوة المعركة. وفي الحقيقة، أغلب التونسيين،  ﻻ يشعرون بالاستقرار والطمأنينة. وهم في حاجة إلى ضمانات ملموسة، صلبة من صخر، وليس"وعودا تكتب على الحوت وترمى في البحر"، خاصة بعد أن طفت على السطح ممارسات، ما كان يعرفها المجتمع، تمسّ الحريّات، من قبيل مضايقة مجموعة من الطلبة، ﻷستاذة محاضرة، لأنها سافرة .  فمسؤولية حركة النهضة الفائزة، ليست، فقط، تقديم ضمانات قولية للمتوجّسين، بل مسؤوليتها، في أسرع وقت، ضبط المتنمّرين. وقدرتها على تحقيق ذلك على المحكّ... كم يشعر الكثيرون اليوم بالمرارة... لأنّ شريحة من المجتمع يبدو تديّنها، في مظهرها، كانت تعاني من الاضطهاد، زمن حكم الهارب للبلاد، وتعيش في الظلّ، وتخاف من الظلّ... وبعد الثورة، ثورة تونس الحريّة، ها هي مجموعات منها، تمارس ما مورس عليها من الاضطهاد، تريد أن تفرض، على الشريحة الأخرى من المجتمع أنماطا سلوكية، بالعنف عنف البلطجيّة. حركة النهضة الآن، تليّن الخطاب، وتهدأ الخواطر، وتلطف الكلمات... ولكن، لن يكون لوعودها معنى وﻻ للضمانات، ما دام مجتمعنا ﻻ يعيش ضماناتها واقعا، ومازال مسرحا للتجاوزات، وللاعتداء على الحريات 

jeudi 27 octobre 2011

لمرحلة وليدة ... تقاليد جديدة

أهلاً وسهلاً ومرحبا، في أرض تونس المجيدة، بالديمقراطيّة الحميدة... فلنرس، احتفاء بها من الآن، وفي الجمهوريّة الثانية الوليدة، تقاليد في الممارسة السياسية جديدة. نظرنا إلى من يحكم طيلة 5 عقود:  بعد الاستقلال، نمنا في سكينة، بعد أن سلمنا مفتاح المدينة، إلى باني تونس العصرية، فتحولت الجمهورية، إلى مسخ... إلى ملكية. وجاء صانع التغيير، واعدا بالخير الكثير، فرجعنا إلى بيوتنا نغط في النوم والشخير. ولوﻻ هذا الجيل الشباب، من أبناء تونس النجاب، لأكل صانع التغيير الحمل، وباع البعير... فلنتبع حكمة الحكماء، ولنجرّب في السياسة، نصيحة العقلاء: ﻻ تنظر إلى من يحكم، وانظر كيف يحكم

حسمت الأمور، وحصّل ما في الصدور، وانتهى التنافس في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، بما دار حوله من القيل والقال، إلى خاسرين، وأقلّ فوزا وفائزين. ويتحتّم  اليوم أن يقبل جميع التونسيين، النتائج بأريحية، فهذا جزء من قوانين اللعبة الديمقراطية... ولتتسلّم مقاليد الأمور الحركة، وليحذر الشعب، من الآن فصاعدا من الغفلة، وليلتزم  باليقظة، ليس لأنّ من يحكم هو زيد أو عمرو أو النهضة، بل لكي يرسي عادات  في المراقبة، وتقاليد في المحاسبة. فلتنم يا شعبي مستقبلاً بعين واحدة. أو ﻻ تنم على حقك البتة. وأقول أكثر، ﻻ تدعنّ عينك ترمش حتّى 

بس مكسوفة

تستضيف قطر هذه الأيام لقاء أصدقاء ليبيا، بعد إعلان تحرير البلد وانتهاء الحرب الدائرة فيه... ومنذ فتقت زهرة الربيع العربي الأولى في تونس، وقطر حاركة، تسقي زهور هذا الربيع وتحرّك قدوره لتضع لمستها فيه... حركت القدر التونسي بالمال السياسي فقلبت سافله عاليه. وحركت القدر الليبي بذراع النيتو، فهدت بنيانه وستضرب الفرقة بنيه. وهي تحرّك القدر المصري، ونأمل أن ﻻ تكون الطبخة فوﻻ ينفخ بطون آكليه. وهي الآن ترفع غطاء القدر السوري لترى كيف تأتيه... لم ﻻ تكون قطر أوّل إمارة عربيّة دستورية، فتعطي السلطة للشعب وتجعله ينعم  بما يجود به عليه مخرج الأرض ويتصرّف فيه...؟؟؟  في تقديري، أنّ إمارة قطر تحبّ أن يكن عندها ديمقراطيّة بس مكسوفة... فزادت في أخلاق الكرماء :  تحبّ لغيرها ما تحرم منه حالها، وتؤثر بلدان الربيع العربي بالتغيير الحميد على نفسها، وهي بها خصاصة، وﻻ تريد أن تظهر عليها نعمة الديمقراطية وجيرانها، بلدان مجلس التعاون الخليجي، إليها فقراء... وقديما قال الحكماء: من لم يعرف قدره ولم يقف عنده، عدّ من السفهاء 

mardi 25 octobre 2011

الشعب الشمّاعة

كانت ردّة الفعل الأولى، على نتائج انتخابات المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011، من قبل الخاسرين كما الأمر من قبل الرابحين على الفيسبوك في معظمها مريعة، شماتة من جانب واتهامات من الجانب الآخر،  وكشفت وجها غير حضاري للغالب وللمغلوب...وقد كرّست النتائج فوزا كاسحا لحركة النهضة ذات الاتجاه الإسلامي، التي يتهمها خصومها بارتكاب مخالفات وخروقات لقوانين العمليّة الانتخابية أبرزها استعمال المال السياسي. وفي المقابل كانت النتائج مُهينة بالنسبة إلي القطب الحداثي خاصّة... ووقد عُلقت الخسارة على شمّاعة الشعب، فنُعت بالجهل وبعدم الوعي، ﻷنّه لم يتفاعل مع القيم والمبادئ التي طرحتها عليه النخب المثقفة، وفضّل خطابا صوّر له الهويّة العربية الإسلامية في خطر وأنّ نصرتها بين يديه... أو خطابا وعده بتحسين ظروف حياته المادية في الصحّة والنقل والإنارة والتشغيل والخبزعلى الفور... في الحقيقة يصحّ في هذا الشعب، في هذا الظرف، رأي الشابي ملهم ثورات الربيع العربي ببيته : إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلا بدّ أن يستجيب القدر، عندما قال في شعبه التونسي: أيها الشعب! أنت طفل صغير*** ﻻعب بالتراب والليل مُغس... بالفعل، في هذه المرحلة من تاريخ تونس، الشعب طفل صغير، وهذه هي خطوته الأولى في الديمقراطيّة، والخطوة الأولى، تكون محفوفة بالمحاذير ... فهو لم يكن على قدر من الوعي بدقة وحساسية مرحلة التأسيس الّتي يعيشها، وهو وإن أدرك أهميّة الانتخابات فشارك فيها بكثافة منقطعة النظير، فهو لم يدرك على وجه الدقة والتحديد الغاية منها... ويجدرالتذكير، أيضا، بأنّ نسبة كبيرة من الأحزاب السياسية التونسيّة هي كذلك حديثة الوﻻدة، أو صغيرة السنّ، وهي تقريبا كلّها خطت خطوتها الأولى في هذه الانتخابات، وأغلبها لم يوفق فيها بالقدر المأمول، لانّه عديم التجربة، فلم يهتد إلى استراتيجية مناسبة وإلى  خطاب وجيه ذي جدوى، بهما يستقطب نسبة أكبر من الشعب... ولكن بدا أن ممثلي الأحزاب أكثر نضجا في تعاملهم مع نتائج الانتخابات غير المتوقعة، إذ بدأ بعضهم في تقييم أدائهم الانتخابي بطريقة بناءة... والمهم في نظري استخلاص الدروس والعبر من هذه التجربة في مجملها، بما يفعّل جدوى العمل السياسي مستقبلاً لخدمة مصلحة تونس  

بكل صدق حتوحشنا

  غفل التونسيون، في غمرة الفرح بالنسبة للبعض، أو في غمرة المأساة بالنسبة للبعض الآخر، عن أن يوفوا حقّ ﻻعب مهمّ في هذه المرحلة، أﻻ وهو السيد الباجي قائد السبسي وحكومته. لقد حقق الرجل لتونس منجزا عملاقاً، بحيث أدار وضعا انتقاليا  بالغ الصعوبة، داخليّا شهدت فيه تونس حراكا غير عادي، لم تعرفه من قبل، ناتج عن التعبئة لانتخابات المجلس التأسيسي، إضافة إلى الملف الأمني والاقتصادي الشائكين... أمّا خارجيّا، فقد أدار بكلّ جدوى المستجدّات الإقليمية وعلى رأسها حرب التحرير الدائرة في ليبيا. هذه الإدراة الحكيمة، بعد الثورة المجيدة، وإن شابتها بعض النقائص، أعادت تسليط الضوء على تونس كبلد حضاري، على رأسه ولو وقتيا سياسي محنّك، ومحاور كفء. هذا اللاعب أوفى بما وعد، وأهدى لتونس مع حكومته وكامل الفريق الذي اختاره للعمل معه، أغلى هدية، انتخابات تعدّديّة حرة ونزيهة وشفافة، قد ﻻيكون البعض راضيا عن نتائجها، ولكنها وضعت كما قيل قدم تونس في منطقة لم تطأها قدم أي بلد عربي، أﻻ وهي الديمقراطيّة... فشكرا للسيّد الباجي قائد السبسي ولمعاونيه... لقد تدارك الرجل التاريخ، ليعيد كتابة خاتمة جديدة وناصعة لحياته في تاريخ تونس، كرئيس حكومة قاد سفينة البلاد في فترة في غاية الحساسية إلى برّ الأمان، دون أن ينتظر جزاء أوشكورا أو تكون له طموحات سياسيّة... إلى انتخابات راقية، بعد ثورة الكرامة على الاستبداد، شهد لها المراقبون من كل دول العالم أنها احترمت كل المعايير الدولية... سي الباجي بكلّ صدق حتوحشنا

dimanche 23 octobre 2011

من الشمولية... إلى الوصاية

رحل القذافي... وتوسّمنا بوادر الحرية والسيادة للشعب الليبي، الذي له الحق كغيره من شعوب العالم أن ينعم بنظام ديمقراطي ، يجعله مصدر  السلطات والقرارات... حقّ كانت كلفته دامية وعليه غالية... ولم يطل الانتظار، حتّى تكشّف واقع الحال: لقد مرت ليبيا من حكم شمولي بغيض إلى الارتجال والوصاية. وقد بدا ذلك من خلال خطاب رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى بن عبد الجليل الذي ﻻ يتمتّع- هو والمجلس- بأية شرعيّة...وقد أعلن فيه عن قرارت  مصيرية تخصّ حاضر ليبيا  ومستقبل أجيالها، ، وهي قرارت خطيرة تخصّ الدولة والمشروع المجتمعي الليبي والأسرة. مثل هذه القرارات في الأنظمة الديمقراطية يكون مصدرها الشعب وﻻ تسقط عليه إسقاطا... بن عبد الجليل من رجال القذافي والمنتمين إلى مدرسته إلى عهد غير بعيد،عوّضه في خطف القرار من الشعب الليبي في لحظة غفلة ، في لحظة فرحة... وهو في الزمن الراهن فاقد لكلّ  تفويض  ولأي  نوع من الشّرعيّة ويعلن ليبيا دولة إسلامية، أي دينيّة ، ويبطل قوانين في غاية الأهميّة، مثل منع تعدّد الزوجات وتنظيم الطلاق ... !!! لقد  ثارالشعب الليبي  ثورته وانتزع حرّيته، وهيهات منه الغفلة... في اعتقادي أنّ هذا الشعب أثبت رشده ونضجه، وأنّه سيجني ثمار ما زرع وما دفع، ولن يفرّط فيما ينبغي أن يعود إليه من حقّ ومن مسؤؤلية قرارات ﻻ تخصّ حاضره فحسب، بل كيان الوطن ومن سيتعاقب عليه من أجيال 

samedi 22 octobre 2011

الطبق الساخن

لأنّ وجع الليبيين كان هادرا، أكلوا طبق الانتقام ساخنا... ولأنّ القذافي زرع الحقد، فقد جنى الموت... وكيف يطلب العدل من لم يمارس غير الجور...؟ وهل ينتظر الرحمة من لم يعرف قلبه سوى القسوة...؟ أقول هذا وأعمق اعتقادي أن ﻻ شيء يبرّر القتل، وﻻ شيء يبرر الوحشية والهمجية والتشفي في جثة هامدة، في جيفة بشريّة... هذا سلوك العوامّ  والناس العاديين... لكن ماذا عن السّاسة والسياسيين...؟  لقد بدؤوا مرحلة ما بعد القذافي بالكذب والتفليم...خرج على العالم محمود جبريل من المجلس الانتقالي الليبي، يروي مصرع القذافي المخلوع: أصيب في رأسه بطلق ناري في تقاطع النيران في اشتباكات جرت بين أتباع القذافي والثوّار...إنه سيناريو على الطريقة الأمريكية، حبث يتطاير وابل النار، حتى لتظنّ الجميع هالكين، وفي النهاية يلقى الشرّير حتفه غير مأسوف عليه، بينما ينجو الأخيار سالمين ...إنها رواية تحتقر ذكاء العالم، وتدل على أن محمود جبريل، وقف أمام الليبين والعالم كما كان يقف القذافي، يكذب بدون حياء، على نمط السياسيين المغضوب عليهم في العالم العربي، وهو إضافة إلى ذلك قصير النظر: ﻻ يعرف أن التاريخ ﻻ يقبل التزوير،  وجاهل متخلّف: لم يستوعب بعد فعالية وسائل الاتصال الحديثة، فسرعان ما كذبت روايته بما بُثّ من فيديوات بيّنت ما تعرّض له القذافي من عدوانية متوحّشة كانت، بما ﻻ يدعو للشك، وراء اغتياله... فكيف يؤسّس هذا الرجل وأمثاله  لليبيا جديدة حديثة تقطع مع الماضي...؟؟؟

samedi 8 octobre 2011

الفسيفساء التونسية

 إن الفسيفساء إبداع يروي قدرا هاما من تاريخ تونس ومن عبقرية أهلها على مرالعصور، نرى لوحات منها رائعة في متاحف تونس المختلفة، وفي مواقعها الأثرية الأصلية، في دقّة وفي قرطاج وفي الجم وفي مكثر وفي سبيطلة وفي كركوان إلخ... والفسيفساء حرفة تعيش من إيرادها عائلات تونسية كثيرة، إضافة إلى كونها تمثّل أفقا من آفاق التشغيل في تونس... وقد استعملت مجازا في الثقافة والعادات والتقاليد وفي العمل السياسي... وهي برأيي، في كل الأحوال رمز للتنوع والثراء والغنى... وﻻخوف علينا من الفسيفساء، من مجلس تأسيسي يكون فسيفساء، بل أكاد أجزم أنّ تمثيلا فسيفسائيّا أفضل من تغوّل الأحزاب، ولكم نموذج من تغوّل الأحزاب في الديمقراطية الأمريكية، ولأن الفسيفساء يحكمها، بالضرورة وفي النهاية، منطق التوافق والانسجام.

  وليس كل حجر بصالح ليكون جزءا من نسيج الفسيفساء... فالشعب التونسي بذكائه  ووعيه وبفطرته وحسّه وذوقه قادر على الفرز، فرز الحجيرات ذات الجدوى في نحت حاضر تونس وغدها المشرق... بين يدي الشعب التونسي ما يناهز 11 ألف حجر، يتنافسون على الدخول في تركيبة المجلس الوطني التأسيسي، سيفرز منها 218 حجرا، هوعدد المقاعد التي تكتمل بها لوحة هذا المجلس. ومعايير الفرز والاختيار في هذه اللحظة التاريخية ينبغي أن تكون دقيقة لأننا في فترة ﻻ يسمح لنا فيها بالخطأ...  والمعايير الوجيهة والمناسبة لهذه المهمّة، في نظري، هي الكفاءة ، ثم الكفاءة، ثم الكفاءة في تحمل مسؤولية هذه المرحلة، حتي يركّب هذا الشعب مشهدا رائعا يسر الحبيب ويغيض العدو...إنّ الشعب التونسي شعب خلاّق يستطيع أن يطوّع كل شيء لخدمته، حتي الفسيفساء، وهو قادر على أن ينحت نموذجه في الديمقراطية، النابع من خصوصيته...

هذه الانتخابات هي فرض عين، واجب على كل تونسي أداؤه، وعلى أحسن وجه... فالمطلوب منه أن يكون في مستوى مسؤولياته تجاه مواطنيه ووطنه، فينبذ الحجيرات القميئة إلى مكبّ التاريخ، ويفشل الطمّاعين والكائدين في الداخل والخارج... ومسؤوليته عظيمة أيضا تجاه أشقائه العرب الذين يتطلعون إلى ثورته ويستنيرون بقبسها... وتجاه العالم الحرّ الذي أبهرته خصوصية هذه الثورة المباركة، وهو ينتظر قطافها... وتجاه التاريخ الذي باغته شعب تونس بنموذج فى الثورات لم تعرفه البشرية، ﻻ زعامة فيه وﻻ إيديولوجيا، وباغت العالم بثورة ﻻ شرقية وﻻ غربية، ثورة تونسية شبابية سلمية من أجل الكرامة سُطّرت ملحمتها بحروف من دم الشهادة... وأقول: الخير كل الخير في من سيختارهم التونسيون لتمثيلهم في المجلس التـاسيسي، مهما كانت انتماءاتهم، وﻻ يُزايدنّ أحد على وطنيّتهم، بعضهم أو جميعهم، من داخل المجلس المنتخب أو من خارجه. 

dimanche 2 octobre 2011

في التحزّب والاستقلال

     كانت تجربة الانتماء إلى حزب تجربة مثيرة بالنسبة إلى عدد كبير من التونسيين من أصحاب الفكر الحرّ الذين تعفّـفوا عن الانتماء إلى الحزبين الذين حكما تونس أكثر من50 عاما، ما قبل الثورة. هؤﻻء لم ينضموا إلى أحزاب المعارضة لأسباب مختلفة أبرزها اليأس من جدوى العمل السياسي في ظل  حكم دكتاتوري قمعي، أو عدم  الرضا عن أداء تلك الأحزاب التي كانت ، في الحقيقة مكبلة،  وكان أغلبها ينعت بالكرتونية...  بعد الثورة تعقد المشهد السياسي، إذ انزاد إلى الأسرة الحزبية مواليد جدد،  إخوة كثر، ما شاء اللّه، بعضهم كالتوائم، متشابهون في السمات والملامح، ومتشابهون في الأسماء... هذا الكم الهائل، 111 حزبا، جعل التونسيين عاجزين عن معرفة  الأحزاب جميعا، وخاصة  حديثي الولادة منها. فكان منهم التركيز أكثر على الأحزاب المعروفة.  بعضهم تعاطف معها وبعضهم انخرط فيها

أكاد  أجزم أن اختيار التونسيين للأحزاب، أو تعاطفهم معها، لم يتم على أساس نظري  فكري:  من مثل اعتبار المرجعية الفكرية للحزب أو المبادئ التي قام عليها أو يروج لها، أوالبرنامج السياسي، فالبرامج السياسية للأحزاب لم تتبلور أصلا ولم تخرج للعلن إلآّ أخيرا، في شهر سبتمبر، أي بعد ما يقارب 8 أشهر من الثورة، وقبل ما يقارب الشهرين من انتخابات المجلس التأسيسي... وكان الانخراط في أي حزب من الأحزاب، في نظري، أقرب إلى المبايعة، مبايعة الأشخاص: رئيس الحزب أو مؤسسيه... وتستند هذه المبايعة  لدى البعض إلى الماضي النضالي ضد النظام البائد، وفي إطار حقوق  الانسان، أو إلى سيرتهم  الذاتية  وأخلاقهم الحميدة... ومن المفارقات أن نوعا من المبايعة تمّ على أساس الحنين إلى الماضي القريب، إذ تجمعت حشود حول الأحزاب التي أسسها المنتمون  سابقا إلى حزب بن علي  الحاكم المخلوع، حتى أن أحزابا عديدة شكّلت تجمّعا جديدا ليتامى التجمّع الهالك بأمر قضائي... وجدير بالذكر أن التعاطف مع الأحزاب  كان هشّا لدى شريحة معتبرة من الناس، فقد ظلوا يراقبون تحركات الأحزاب ومواقفها وتصرحات ممثليها وتحالفاتها... وقد كان ذلك وراء ظهور حركة انتقال من حزب إلى حزب آخر حينا، أو وراء العزوف عن الأحزاب أحيانا... وحتى بعد الكشف عن برامج الأحزاب، ما أعتقد أن نقلة نوعية طرأت أو ستطرأ على مواقف التونسيين الذين حسموا أمرهم  في مرحلة سابقة

وتوجد نسبة هامّة من المثقفين لم تجد ضالتها في الأحزاب، ربما لأن الأحزاب لم تقدرعلى استقطابها  نتيجة تأخرها في طرح برامجها، أوعجزها عن إقناعها، وبالتالي استيعابها، أي نتيجة سوء أدائها في المجمل. وأفرزت هذه الوضعية ظاهرة الاستقلال والمستقلين. وما أكثرهم! و لا أدل على حضورهم المكثف من عدد القائمات المستقلّة المرشحة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، والتي يكاد عددها يساوي عدد قائمات الأحزاب... وهذا مؤشر على أن مكونات المجتمع المدني فاعلة وحية وأنها حريصة، بطاقاتها وقدراتها الذاتية، على المشاركة في الانتخابات  لتشكيل  حاضر تونس وغدها... ونجد على عدد من قائمات المستقلين شخصيات تونسية مرموقة، هي قامات في مجال اختصاصها. ولهذه القائمات المستقلّة، برأيي، حظوظ  كبيرة في منافسة قوائم الأحزاب منافسة جدّية، مما ولد هاجسا لدى مؤسسي الأحزاب من تشتت الأصوات... ومن مجلس تأسيسي يمثل فسيفساء قد لا تيسّر عمله، أو بالأحرى قد ﻻ تيسّر عملهم