dimanche 27 mai 2012

نهضنة مراكز النفوذ لا يخدم المصلحة الوطنية

ما أن شكلت حركة النهضة في تونس الحكومة الائتلافية وترأستها حتّى تلبس إبليس السلطة بها وبمنتسبيها، وتفتحت شهيتهم إلى النفوذ، فكلّما وضعوا أيديهم على شيء قالوا: هل من مزيد؟ .... طريقة عمل حركة النهضة، برأيي، تشبه بقدر كبير عمل تنظيم القاعدة- التي يُكنّ لها رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي الإعجاب، وترحّم  على زعيمها الشيخ بن لادن -  "وحدة الشعار والحرية في اختيار طريقة العمل ". كل من يجد نفسه في موقع يسعى إلى غرس نفوذ النهضة وتعزيزه. فالفاعلون فيها لا يرجعون بالضرورة إلى قيادتهم الأساسية  في كل كبيرة وصغيرة، وهذا ما يجعل عملهم أكثر سرعة وفاعلية. كل نفر منهم هو أعلم بالمحيط الذي يتحرك فيه ويعمل تبعا لذلك على تدعيم نفوذ النهضة أي على  تسريع عملية النهضنة بكل الوسائل وهو مطمئن البال لأنه مدعوم بالسلطة التي  بيد حزبه    

 ويمكن أن نتحدث عن محاولة نهضنة الثورة. فأبرز ما يحاول النهضاويون  الاستيلاء عليه هو الثورة التي لم يكن لهم يد فيها لا من قريب ولا من بعيد.  نصّبوا أنفسهم أوصياء على حمايتها وتحقيق أهدافها، وهم يبتغون في الحقيقة تدعيم نفوذهم في المجتمع. أرادوا وضع اليد على الإعلام العمومي الذي رفض إطراء حكومة النهضة وأبى إلا أن يعطي صورة عن مختلف التفاعلات الجارية في المجتمع، فطرحوا فكرة خوصصته لتدجينه أو ضربه  متّهمين إياه بالردّة وبأنه لا يخدم  أهداف الثورة . أما عن   لجان حماية الثورة التى تأسست في كل مدن الجمهورية فحدّث، فلقد تبيّن من سلوكها وممارساتها  أنها منهضنة، إذ هي في حقيقة الأمر ميليشا تابعة للنهضة تتحرك لخدمتها، فتتعرّض لرموز المعارضة والإعلام وتعتدي عليهم بالعنف كما حدث يوم 9 افريل مثلا، والاعتداءات على قناة نسمة  واستهداف قناة الحوار  بالتخريب اليوم بالذات  . وقد أخذت هذه المجموعات على عاتقها كذلك مهمة تنظيم الوقفات مساندة للحكومة والتجمهر لعزل إطارات في الإدارة التونسية ترفع في وجهها " ديقاج" لتعويضها برموز نهضاوية. ولا ينبغي في هذا السياق أن ننسى الجمعيات الخيرية التي تقارب 10.000 جمعية يدير أغلبها منتمون إلى حركة النهضة، وقد تكون هذه الجمعيات من أبرز موارد ها المالية
 
أما عملية النهضنة الرسمية فينفذها وزراء النهضة في الحكومة، والأمثلة على ذلك كثيرة منها عزل مدير مؤسسة الإحصاء الحكومية  وتعويضه بكادر نهضاوي، ومنها  عزل الولاة والمعتمدين في الجمهورية لتحلّ محلهم عناصر تنتمي إلى الحركة. ومنها تكبيل يد الأمن بالتعليمات، حتى لا يقوم بدوره كحام للجمهورية وللمواطنين  ولا يواجه مجموعات السلفيين القريبين من النهضة  والذين يروّعون الناس ويفرضون قوانينهم على المجتمع... أما في وزارة العدل فحركة التعيينات الضاربة لاستقلال القضاء والضامنة للولاء  للنهضة على أشدها...والدور في النهضنة آت على البنك المركزي الذي يتعرض  مديره لحملة مغرضة، فقد اتهمه راشد الغنوشي بالتصرّف كإمبراطور

 وأقول: أبرز ما نجحت الحركة في نهضنته رئيس الجمهورية المؤقت وقيادات حزب المؤتمر من أجل الجمهورية التي التحقت بالحكومة، أصبحوا موالي للنهضة  وتنكروا لمبادئ حزبهم ولرفاق دربهم في النضال.  وقد التزم الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي أكثر من غيره بالتسبيح بآلاء النهضة لاهجا بمحاسنها... نعتها في البداية بالحركة اليمينية وشرّع وجودها بأنّ في كل مجتمع يمين، ثمّ زحزحها نحو الوسطية وأعطاها شهادة تخرّج من مدرسته الديمقراطية، فاحتكاك النهضاويين بالمناضل المنصف المرزوقي جعلهم يتعلمون الديمقراطية.... وينسى الرئيس المفدّى في تصريحاته، بالداخل والخارج، أنه رئيس كل التونسيين فينبري مدافعا عن النهضة وحكومتها و يسعى إلى تلميع صورتها حتّى أنه شبهها بحزب الديمقراطييين المسيحيين في إيطاليا وهو تشبيه  يتبين من يعرف التاريخ أنه لا مسوّغ له... وفي تقديري أن السيّد الرئيس المؤقت يعرف أنّه سيقبض الثمن من النهضة فقد يكون هو مرشّحها قي الانتخابات المقبلة، وقد  لا ترشح منافسا له وتدعو منتسبيها للتصويت له
 
ما الغاية من عملية نهضنة الإدارة والمؤسسات والجمعيات، هذه القائمة على قدم وساق والّتي تستعجل الزمن؟ الغاية هي أن تحقق الحركة ما حققه التجمع في23 سنة في وقت قياسي: التغلغل في مفاصل الإدارة التونسية الحيوية وضرب حياديتها لضمان ولائها للنهضة ومصالحها ولتدعيم سلطتها ونفوذها، وربما ضمان نتائج الانتخابات المقبلة.  وإذا نجحت، لا قدر الله في مسعاها، فعلى حلم تداول السلطة السلام، وقد يكون تبعا لذلك المنصف المرزوقي رئيسنا الثالث مدى الحياة

.لكن... لكن جمهورا واسعا من  الشعب التونسي بمختلف شرائحة غير غافل عمّا يحدث، فقد تنبه إلى ممارسات الحركة التي تسير فيها على خطى حزب التجمع، حزب بن علي المنحل، فتوجّه بالقول البليغ إلى النهضة: "صحّة اللحية يا تجمّع"  بما يدل على نباهة وفطنة هذا الشعب فاللحية التي هي مظهر ورع لم تُعْمِ هذا الشعب عن حقيقة الممارسات والغايات. هذا، وتقوم قوى من المجتمع التونسي الحي بمواجهة عمليات النهضنة هذه، بكشفها وبالتصدّي لها، حتى أن ولايات عدّة قامت في وجه ولاتها ومعتمديها المحسوبين على النهضة الذين لم يثبتوا كفاءتهم لمواطنيهم  فوقع طردهم.  وقد صاحبت ذلك مظاهر عنف  تتحمل مسؤوليته الحكومة،  لأنّ عملية النهضنة الاستعجالية التي ترعاها لا تخدم  المواطن  ولا المصلحة الوطنية