mardi 11 juin 2013

دستور كوجه النهضة

كثر الحديث والجدل في تونس هذه الأيام  عن الدستوروعمّا فيه من نقائص تصل إلى حد الفضائح، وتدل على عدم أهلية النواب  للقيام بمهمّة كتابة الدستور والتأسيس للجمهورية الثانية.  هذا وقد فاحت رائحة تلاعب هيئة التنسيق والصياغة برئاسة المقرر العام للدستور بنتائج أعمال مختلف اللجان منذ شهور،حتى قيل إنّه  كان يجري فيه من التحويرات حسب مزاجه، أي في نهاية الأمر  حسب مزاج النهضة... بالمختصر المفيد التوطئة والخاتمة تؤسسان لدولة دينية، على حد عبارة النائبة بالمجلس التأسيسي سامية عبو " دولة خوانجية"، لأن الدستور في نهاية الأمر كتبه نائبان نهضاويان : الصحبي عتيق المتحدّث باسم كتلة النهضة بالمجلس والمقررالعام للدستور الحبيب خضر الذي يرأس هيئة التنسيق والصياغة التي تشرف على تنسيق عمل اللجان وعلى الصيغة النهائية للدستور وهو في الأصل نائب عن حركة النهضة. كيف تمّت عملية كتابة الدستورعلى مدى سنة ونصف؟ من ابرز نقاط الخلاف في الدستور بين الترويكا بقيادة النهضة وبعض الأحزاب الموالية لها من ناحية، والمعارضة من ناحية أخرى، تتعلّق بالفصول التي تضبط العلاقات بين السلط وتلك التي تتعلّق بالحقوق والحريات.

الصحبي عتيق مايسترو النهضة يعطى التعليمات بما يناسب توجهات الحركة في كل المجالات وفي كل اللجان. يقع النقاش داخل كل لجنة حول الفصول الخلافية وينتهي في الأغلب إلى التصويت...إذا كان التصويت لفائدة مشروع النهضة فقد حسم الأمر...أمّا إذا لم يمرّر الفصل الذي اقترحته، فهي لا تنتهي إلى الفشل لأنها ستتداركه في مرحلة أخرى مع هيئة التنسيق وصياغة الدستور ... هذه الهيئة مهمتها التنسيق بين فصول الدستور والنظر في صياغتها اعتمادا على أعمال اللجان المختلفة واستئناسا بآراء الخبراء.  وتتكون من 16 نائبا منهم 7 من النهضة  و3 من التكتّل و 1 من المؤتمر- يعني 11 من الترويكا - و3 نواب عن حركة وفاء ذيل النهضة و2 من المعارضة من الكتلة الديمقراطية. هذه الهيئة أعطت لنفسها حق التصرّف في شكل الفصل وفي مضمونه، في بعض الأحيان بما يتناقض مع ما توصّلت إليه اللجنة المختصّة، كما حصل  مع لجنة العلاقات بين السلط،  حيث أعطت هذه اللجنة صلاحيات لرئيس الجمهورية، فجاءت هيئة التنسيق والصياغة وحولت هذه الصلاحيات إلى رئيس الحكومة، لأن النهضة، في الأصل، رغم تظاهرها بقبول النظام المزدوج في الحكم، تريد أن تمرر قناعتها بالنظام البرلماني، لذلك نزعت من الرئيس وأعطت لرئيس الحكومة. وهذا أدى إلى أزمة خانقة في المجلس التأسيسي،  إلى احتجاج رئيس هذه اللجنة عمر الشتوي وإلى التظلّم لدى المحكمة الإدارية...

خلاصة القول إن مشروع النهضة الذي لا يمرر لدى اللجان يقع تداركه  ويمرر في المشروع النهائي للدستور عن طريق لجنة التنسيق والصياغة التي تحكم عليها النهضة قبضتها. إذا لا تتعجبوا إذا كان الدستور يؤسس لدولة دينية ولنظام برلماني يعزز صلاحيات رئيس الحكومة، وإذا كان مقيدا للحريات وللعمل النقابي. هذا الدستور كتبته النهضة فهو كوجه النهضة، وكخطاب النهضة، غامض مخاتل مزدوج، وينطبق عليه المثل " ابعث ولدك للغابة يجيبلك مثله". الحزب الغالب في المجلس هو النهضة والمقرر العام الذي أعطى لهيئته  صلاحيات ليست لها هو أيضا من النهضة. وحال التوانسة يصح عليه المثل  القيرواني الذي يقول    "الراجل عظّومي (عظّوم هو لقب عائلي) والقاضي عظومي منين جاك الربح يا شومي" .. لكن، لا ولا والف لا، التوانسة الاحرار التواقون للديمقراطية  وللدولة المدنية هم شوكة في حلق النهضة. ولن يمر إلاّ دستور يليق بتونس، كوجه تونس...