mercredi 13 janvier 2016

الواحد والثلاثون دبوكا

حيث نشات يقولون فلان شرى "دبوك" أي بغل. لعلّ التسمية  قريبة جذورها إلى الدبكة، بسبب كثرة استعمال الرجلين في عمل هذه الدابة التي لا تصلح إلآ للعمل.  و لا يسمّى الحصان والحمار دبوكا لأنّه يصلح للنسل أيضا... ثمّ انتقلت هذه الصفة للبشر. زمان، أصحاب الأراضي- الإقطاعيون- يبحثون عن صفات الدبوك في  عمالهم. وكذا،  عندما تبحث صاحبة المنزل عن معينة لها تقول : نحبها دبوكة أي لا تسكن ولا ترتاح ولا تبدي الضجر. ويعوّل هؤلاء السادة أيضا على الجانب النفسي، فرغم انهم أحباب مصالحهم يوهمون العامل الدبوك عندهم بأنه الكل في الكلّ، فتجده حريصا متفانيا في خدمتهم، ومتحمّسا في إخضاع غيره واستغلاله لمصلحتهم حتّى،  ومن هنا جاء المثل "العزري أقوى من سيدو". 
 ومشى زمان الإقطاع في سبيل حاله، وقننت حقوق الإنسان وحقوق العامل. لكن عقلية الإقطاع  مازلت راسخة لدى بعض العائلات الغنية والمتنفّذة سليلة الإقطاع التي ترفض نفسيّا أن تتجاوز هذه الممارسات، فكل متعامل معهم هو دبوك محتمل ينبغي أن يعمل لمصلحتهم بلا كلل وإلاّ نفروه وهجروه، ومع الأسف يوجد بين المتعاملين معهم من يقبل بأن يكون دبوكا. 
 وفي اعتقادي أن عائلة قائد السبسي -كما يدل اسمها ذاته-راسخة في تاريخ الإقطاع  وفي النظام الإقطاعي، ولم تتجاوز عقده النفسية. فرئيس الجمهوريّة الذي انتخبناه مكرهين بسبب تجربتنا مع سابقه، حدّثنا عن الوطنية والديمقراطيّة وفصل السلط عن بعضها فصدقناه، وكان ما فعلناه مخالفا للمنطق والواقع، إذ من شب على شيء شاب عليه، والممارسة الديمقراطية جاءت في مرحلة متأخرة من عمر الرجل  فهي تطبّع فرض عليه. لذا قد غلب الطبع التطبّع عند سي الباجي، وهو أمر مفهوم نفسيّا قال فيه الشاعر: إنّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلت ***ولن تلين إذا قوّمتها الخشب.
وهكذا نجح الباجي قائد السبسي بعقلية الاقطاعي في تحويل من يعمل معه إلى دبوك يخدم مشروعه. وفي تحويل الإرث - رئاسة نداء تونس - إلى ابنه رسميا، فأصبح الأمين المكلّف بالإدارة التنفيذية والممثل القانوني للحزب، يعني الرقم واحد في الحزب، وأكثر من ذلك وقعت ماسسة مفهوم الدبوك في ما تبقّى من الحزب، بما سمّوه أمينا وطنيا.  فوقع تعيين 31 أمينا وطنيا، سيخدم  سي حافظ قائد السبسي.  يتوهم كلّ واحد منهم بأنه صاحب شأن أو صاحب اختيار.
 خلاصة القول إن الندائيين في أزمتهم هذه تفرقوا ثلاث مجموعات. المجموعة الأولى استشرفت الآتي، وخرجت عن الصفّ باكرا وفازت بنفسها. والمجموعة الثانية أوصلت السارق إلى باب الدار، وبان لها المستور مؤكّداِ في مؤتمر النداء بسوسة. ويعبّر أفرادها الآن عن مواقفهم بطرق مختلفة بالاستقالات وبالتخلّي عن المسؤوليات أو بتجميد عضويتهم في الحزب  أو في كتلة نداء تونس في البرلمان. والمجموعة الثالثة هم الوصوليون الجدد على رأسهم حافظ قائد السبسي ما صدّق أنه عنّق مسؤولية فيستميت في الدفاع عنها وحتي في التنظير لصوابها.
هناك سؤال بسيط لا يغادر ذهني هل أن حافظ قائد السبسي هو أفضل من تبقى من رجالات  ونساء حزب النداء حتّى يسلموه مقاليد الحزب. وأتساءل أيضا - والحال أن خمسة أسداس منتخبي النداء هم نسوة ، مع ما ورد في الدستور الجديد من تكريس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة-  لماذا لا يكون الرقم واحد في الحزب  امرأة. الفكرة لا تخطر ولن تخطر ببالهم. لأنّ السيّد في ضمائرهم بالرضا أو بالإكراه جميعا هو حافظ قائد السبسي. ولأنّه كما قيل: ما بقي من النداء نسخة من التجمّع المنحلّ، والمرأة في التجمّع لم تكن إلاّ ديكورا يزيّن الاجتماعات.