vendredi 30 octobre 2015

       مليون ومائتا ألف امراة صوتن للنداء في الانتخابات الرئاسية

يحلو للرئيس الأوّل في الجمهورية التونسيّة الثانية الباجي قائد السبسي أن يذكر بسرور- سمعته على الأقل في مناسبتين- أن أكثر من مليون امراة أعطينه أصواتهنّ وأنّه لولا المرأة لما أصبح رئيسا للجمهوريّة. ولم أسمعه مرّة واحدة يذكر لماذا أعطته المرأة التونسية صوتها بهذه الكثافة. لا أزعم انّي أمثّل كل النساء اللاتي صوّتن للرئيس الحالي، ولكني أتماهى مع الكثيرات منهن في اعتقادي انّ المرأة صوتت للباجي ليس لزرقة عينيه أو خضرتها -لا أعرف بالتدقيق- أو تبرّكا باسمه لأنّه سميّ سيدي بوسعيد الباجي، أو لأنّه خوّفها ببعبع النهضة. فالتونسية لمست قدرة أحرار تونس نساء ورجالا على التصدّي للمشروع المجتمعي الرجعي الذي جلبته حركة النهضة من مرجعيات الإخوان المسلمين، حتّى أن الحركة الإخوانية سلمت الحكم مكرهة.  
لماذا إذا انتخبت النسوة النداء في الانتخابات التشريعية والرئاسية ؟ لأن الخيار لديهن لم يكن متعددا، لقد كنّ مخيرات "بين القطرة والميزاب"،  ثم لما عرّف به الحزب نفسه، فكل حزب يعرّف نفسه بماهو جميل، فهو من مدرسة بورقيبة -رحمه الله- باني تونس الحديثة ومحرر المرأة... انتخبنه لأنهن توسمن فيه الخير خاصّة، لأنّ مؤسسيه الأوائل في أشخاصهم كانوا يمثلون بالنسبة إليهن ضمانة، رأين فيهم الكفاءة وعمق الثقافة  والماضي النضالي ضد الاستبداد، وأحسسن بصدقهم في حب الخير لتونس...هؤلاء الأوائل الذين أثثوا الحوارات التلفزية باسم نداء تونس، والذين كانوا واجهة الحملة الانتخابية، هم الذين جلبوا الناخبين لنداء تونس وللباجي: لزهر العكرمي ، محسن مرزوق،  المنذر بلحاج علي، بشرى بن حميدة،  بوجمعة الرميلي، الطيب البكوش... 
إنّ ما يحدث في نداء تونس  صراع بين الكفاءة وسلطة المال والجاه. ما يحدث في نداء تونس هو شبيه بما يحدث بين المراهقين في فصل مدرسي انقسم شقين:  شق على رأسه  ابن المدير  في مدرسة أبيه، يدور في فلكه أبناء الأثرياء يلتف حولهم بعض المتوسطين وبعض الضعاف في التحصيل، زلفى. والشق الثاني يضم النجباء تلتف حولهم هم أيضا فئة تحركها فطرة الإنصاف، والنجابة في مدرسة بورقيبة المثقف مجلبة للاحترام، أمّا في مدرسة بن علي الذي لم يكن متحصلا حتى على شهادة الباكلوريا فهي تجلب الحسد والغيرة، فتحاك ضدّ النجباء المقالب ويقال فيهم كل قول اعتقادا أن ذلك يحط من شأنهم. ويصير التدافع- هذا المفهوم النهضاوي المقيت- فلا تهدأ الأمور
هذا الحزب أوالفصل لن يعرف الانسجام من جديد، إلاّ بنبذ المغالبة، ولو كان التدافع يفيد في تحقيق مكسب ما، لكان أفاد النهضة، فهو مفهوم مفلس يعمق العداء. لن يعود الانسجام إلى نداء تونس إلاّ بممارسة ديمقراطية سليمة، في صلبه، بعيدة عن فساد المال واستغلال النفوذ، وتصيّد الكراسي لقضاء المصالح.  إن كان حافظ قائد السبسي يعتقد أنّه بوجوده على رأس الحزب سيرث تصويت النسوة اللاتي صوتن لابيه، فهو واهم. بل  وأعتقد جازمة انّ مسك حافظ قائد السبسي بزمام حزب نداء تونس، سينتج عنه هجرة كفاءات عديدة منه وعزوف الناس عنه، ومن ثمّ ضعفه ووهنه وربما تفككه. والمستفيد الأوحد من  النزاع  القائم داخل النداء وما قد ينجر عنه من نتائج وخيمة، هو حركة النهضة، فتعود لتصدّر المشهد السياسي من جديد.
إنّ المجتمع التونسي كلّه يرفض التوريث، عدا من تربوا وشبوا على الملق. وقد أثبت التاريخ أنّ كلّ محاولات التوريث في البلدان العربيّة، في غير الملكيات، كانت وبالا على أصحابها والأوطان،. في العراق ومصر واليمن وليبيا وسوريا، موت ودمار وخراب. حتى تنفيذ العائلات في الأحزاب نتائجه سلبية على الحزب، انظر حال الحزب الجمهوري في تونس، بعد أن كان قوّة ضاربة، هجره عدد هام من منخرطيه بسبب هيمنة عائلة الشابي على مفاصل الحزب ودواليبه.