lundi 18 avril 2011

لن يتعمق الباجي كثيرا، فقاع البئر قريبة

طلعت علينا الهيئة ذات الاسم الطويل، الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. هذا الاسم أريد له أن يكون جامعا واعيا. فعسر استحضاره  وتذكره لدى عموم الناس . واضح أن في هذه التسمية  تشقيق وتنميق بدليل أنه غاب عنها  سمة الهيئة الأساسية وهي كونها استشارية، إذ ليس بيدها أن تُلزم  بالقرارات وﻻ ان تحقق أهداف الثورة فعلاً وﻻ أن تقود الإصلاح السياسي واﻻنتقال الديمقراطي.  وكان بالإمكان تسميتها الهيئة العليا الاستشارية  لتحقيق أهداف الثورة. وإنما الإصلاح السياسي وما يتعلق به والانتقال الديمقراطي في صميم أهداف الثورة.  وستركز هذه المداخلة على مشروع المرسومين الهامين  نتاج  عمل الهيئة هما : طريقة الاقتراع لانتخاب المجلس التأسيسي و منع المنتمين لحزب الرئيس المخلوع المنحل من الترشح إلى هذا المجلس

جدال في اجتماعات الهيئة وعلى الفضائيات المختلفة حول أي نظام يعتمد في انتخاب المجلس التأسيسي يضمن تمثيلاً افضل للشعب التونسي فيه. وقر القرار بعد التصويت بالأغلبية على أن نظام الاقتراع على القوائم مع اعتبار مبدإ النسبية هو الأنسب لتونس في هذه المرحلة من تاريخها. وقد أكد ذلك العديد من خبراء القانون. ووقع ضبط عدد الافراد المدرجين على القوائم وهو 4 مع التزام مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة ومبدأ المراورحة في ترتيب الجنسين على القائمة. وقد اعتبر مبدأ المناصفة هذا  ثوريا لم ترق إليه أكبر ديمقراطيات العالم. لكن  عدم التنصيص على تمثيل الشباب الذين تدين لهم تونس بالثورة في القوائم  يعد نقيصة  تخل بالتمثيلية الصحيحة للمجتمع ولكل قواه الفاعلة. وفضلاً عن ذلك يرى بعض المحللين أن مبدأي المناصفة والمراوحة  في حد ذاتهما ليسا ضامنين لتمثيل الجنسين بطريقة متساوية في حال  ترأس الأمين العام للحزب وهو رجل في الأغلب  أو أي رجل آخر من الحزب القائمة. ولن تكون المرأة ممثلة بالتساوي مع زميلها في الحزب إﻻ في حالتين من أربع. فعندما يفوز الحزب بمقعد في المجلس يسند إلى راس القائمة وهو رجل، وفي حال فاز بمقعدبن يكون رجل وامراة. في حال فاز ب3 يكون رجلان وامرأة ، في حال فاز بأربعة مقاعد يحدث التساوي بين الجنسين مرة ثانية. فالمناصفة في التمثيل ﻻ تتحقق إﻻ في الحالتين الثانية والرابعة. وإن صح العزم وخلصت النية  من الأحزاب فهم قادرون على تحقيق المناصفة  وذلك بجعل نصف قوائمهم تتصدرها السيدات والنصف الآخر يتصدره السادة. وعندئذ، فقط، نقترب من مبدإ المناصفة.  وهذا المبدإ ، رغم أنه ﻻ يضمن مساواة الجنسين في التمثيل لأنه يمكن إفراغه من هدفة بالممارسة التي سبق تفصيلها، هو محل جدل وتأويل: بعض أعضاء الهيئة يريدون اعتباره شرطا ملزما في القائمة بحيث تسقط بعدم توفره. وبعضهم يريد تخفيض حضور النسوة على القائمات من النصف  إلى الربع، وبعضهم الآخر يريد اعتباره اختياريا على القوائم. فكل يريد أن يفصل قانونا على مقاسه

ولقد أقرت هذه الهيئة كذلك  مشروع مرسوم يمنع الترشح لانتخابات المجلس التأسيسي يوم 24من جويلية 2011  عن المنتسبين إلى حزب المخلوع- حزب التجمع السيئ الفعل والذكر- ممن تولوا مناصب  متنفذة وأساؤوا للشعب في العهد البائد، ويضاف إليهم، كذلك، من ناشد زين المجرمين الهارب إلى السعودية ليخرق الدستور ويترشح إلى انتخابات سنة  2014.  ولم يُُحجّر على هؤﻻء وغيرهم من التجمعيين حق التصويت . وقد ﻻقى هذا المرسوم استنكارا من التجمعيين، وذلك ﻷن بعض شخصيات التجمع، وبعد الثورة وحل حزبهم مباشرة، بادروا  إلى تأسيس أحزاب أخرى قصد الالتفاف على تبعات الثورة وأحكامها والتجمع فيها من جديد لخوض غمار العمل السياسي وكأن شيئا لم يكن. واعتبر بعض آخر منهم  أن هذا القرار إقصائي بحقهم ونفذوا احتجاجات  هدّد فيها بعض العناصر في شريط بث على الفيس بوك  بحمام دم، ورفعوا تطلعاتهم إلى الحكومة. وتجدر الملاحظة أن الغالب على  المزاج العام في تونس هو تقبل هذا المقترح بارتياح واعتبر إجراء وقائيا للثورة، وﻻ يرقى إلى مستوى الانتقام أو الاجتثاث كما حدث في ثورات أخرى في التاريخ. فهذه الزمرة أمسكت مقاليد البلاد على مدى 23 عاما  وقادتها إلى التهلكة وكانت شاهدة على الفساد ومشاركة فيه. فهل يأتمنها عاقل من جديد على تونس في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة؟

      ورغم الانتقادات التي وجهت إلى الهيئة في مستوى تمثيلها لأطياف الشعب التونسي وفي مستوى شرعيتها، فإن التوجه العام ينزع إلى قبول هذه المقترحات، فالناس حريصون على الخروج من هذه المرحلة إلانتقالية التي ﻻ تستند إلى دستور، إلى مرحلة جديدة، إلى الشرعية، بعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي. ﻻ بد أن نذكّر أن مراسيم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة استشارية وهي في نهاية الأمر مجرّد مقترحات، وأن الكلمة الفصل ستكون للحكومة الانتقالية. وفي هذا الإطار دعا الوزير الأول الباجي قائد السبسي  الوﻻة  لتدارس هذه المراسيم المشاريع. إﻻ أنه أعطى، في كلمته التي ألقاها أمام الوﻻة الحضور، فكرة عن التوجه الذي ستسير إليه الأمور، عندما قال بالنسبة إلى فكرة المناصفة بين الرجل والمرأة في القائمات الانتخابية،هوقرار ثوري حتى البلدان المتقدمة مازالت لم تحققه. أما  مشروع قرار منع أتباع الحزب المنحل من الترشح إلى انتخابات المجلس التأسيسي  فقد اعتبر أنه  يحتاج إلى تعمق

هكذا مارست تلك الهيئة العليا على مدى أيام نشاطها في جلسات كان أغلبها صاخبا عاصفا. مارست اللعبة، لعبة الديمقراطية بكل بشغف وحماس و توصلت إلى مقترحات اعتبرت تقدمية. ولكن الحسابات النهائية بيد السيد  الباجي قايد السبسي، وهو لن يتعمق كثيرا فقاع البئر قريبة، وأتوقع أن يجعل الحسبة كلها مثلما في الكارطة باجي، ﻻ طعم لها: كأن يجعل مشاركة المراة في القائمة الانتخابية ضرورية ولكن ﻻ ترتبط بنسبة معينة ويترك ذلك لتقدير الأحزاب وإمكاناتها. أما عن مشاركة التجمعيين في الترشح للانتخابات، فسيُصار إلى منع كل من أدانهم القضاء من هؤﻻء بتهم ثابتة دون غيرهم... والحال أن مقاضاة التجمعيين من أركان النظام البائد تسير بخطى سلحفاة مصابة بفقر الدم... وبعد حين لن يذكر التونسي من هذه الهيئة العليا شيئا ﻻ اسمها الذي هو في طول الحنش وﻻ إنجازها الذي سيُلتف عليه  فيصبح لا قيمة له ، في وزن القش. ومن يعرف عقلية قايد السبسي ﻻ يستغرب هكذا توجه. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحال، كيف سيتقبل الشارع الأمر لو صدق هذا الطرح...؟ 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire