mercredi 11 novembre 2015

بين صمت مفتي الجمهورية التونسية وعزف جوقة الإخوان

للأسبوع الخامس على التوالي تتعطل صلاة الجمعة بجامع سيدي اللخمي بصفاقس. مَنعت إقامتها -أربعة أسابيع- فُتُوّات رضا الجوّادي، بعد أن قرّر وزير الشؤون الدينية التونسي إنهاء التكليف بالإمامة لعدد من الأئمّة في جوامع متعددة في مختلف أنحاء البلاد. قرار العزل جاء على خلفية انتماء هؤلاء للتيار السلفي المتشدد، وتكفيرهم شريحة من التونسيين، وتحريضهم على العنف . وقد نُشرت للمعزولين جميعا مقاطع فيديو من خطبهم على اليوتيوب في معنى ما اتهموا به، وقد وعد وزير الشؤون الدينية مؤخّرا بإعادة نشرها.  
ظلّ الإمام الجوادي المعزول يجادل في القرار ويحرّض الأنصار، حتّى رأينا في جامع سيدي اللخمي مشاهد لا تليق. استُجلب للجامع في الجمعة الأولى من إعفائه -واللاتي تبعنها- أناس بالحافلات لملء الجامع وأقاموا في بيت الصلاة مظاهرة على طريقة الثورة التونسية، تعالت فيها الأصوات مع قبضات اليد المرفوعة: الشعب يريد الجوادي من جديد... وبالروح بالدم نفديك يا جوادي، وانتهت ب"ديقاج" رفعت في وجه الإمام الذي عينه وزير الشؤون الدينية، ورفعت في وجه الإمام الثاني المعين بعده. وقع هذا في بيت من  بيوت الله.
هذا وقد دعت الوزارة الجميع إلى التعقّل، ودعت الإمام الجوادي إلى التوجه إلى القضاء للتظلّم إن كان يعتبر أن قرار الوزارة جائر، ولكنه لم يفعل - لأنه يعرف أنّ قضيته خاسرة- وفضّل التشويش مع المجلوبين من خارج صفاقس في فضاء الجامع.
إنّ تعطّل شعيرة من شعائر الإسلام  في الديار التونسية، صلاة الجمعة، سابقة في بلاد المسلمين وأمر جلل. ومن واجب مفتي الجمهورية أن يتدخل على عجل ويبرز موطن الخلل. فمفتي الجمهورية يتحرك من تلقاء نفسه ويعطي فتواه كلما حدث حادث في الأمور الدينية، تماما مثلما تفعل النيابة العمومية في الشؤون  الدنيوية. وأنا أعتقد جازمة أن صمت حضرة المفتي لا يدخل في باب التقصير، وأنزه الشيخ الجليل عن سوء النية والتقدير. 
بالتوازي مع هذا الصمت  قامت حملة إعلامية شرسة ضد وزير الشؤون الدينية من قبل جوقة الإخوان حزب النهضة في الحوارات التلفزية والإذاعية، وبالتأكيد في الصحف. وأنا لست من المتابعين المواضبين على الحوارات التلفزية، ورغم ذلك شاهدت 5 قيادات نهضاوية  في 5 مناسبات، كل تدخّل لها في الموضوع ينتقد القرار. وبعض المتدخّلين  يتحاملون على شخص الوزير حتّى. وكان أكثر المتحمسين في تبرير تعطيل صلاة الجمعة العجمي الوريمي الذي قال: كما كان لنا انتقال ديمقراطي يجب أن يكون لنا انتقال ديني... 
لن أطيل عليكم الكلام. المسالة وما فيها تسخين طبول للانتخابات البلدية المقبلة. دستور الجمهورية الثانية جعل الدولة راعية الدين وضامنة حياد المساجد  حتى تكون بمنأى عن الدعاية الحزبية وعن الصراعات السّياسيّة. وهذا ما يسعى فيه وزير الشؤون الدينية وما لا يروق لحركة النهضة. أمّا قمّة التبرير المُسِفّ فجاء على لسان سمير ديلو: لا يصلّي الإمام بالناس وهم له كارهون. وهي قولة حق أريد بها باطل. لم تُكره إمامة الإمام؟ لجهله أو فساده أو عدم استقامته...إنّ هذا التبرير لسلوك الجوادي المعزول وأتباعه غير أخلاقي فيه تشهير بالإمامين الجليلين البديلين الذين عينهما الوزير.
 هذا وقد امتثل لقرار العزل، عدا الجوادي، كل الأئمّة الذين أُعفوا من مهامهم -ويُحسب لهم احترامهم للقانون- رغم أنهم أكثر منه أتباعا...  ما يحدث في جامع اللخمي تلقّفته حركة النهضة كبالونة اختبار لتتحسّس به إمكانية افتكاك المساجد فيُنصَّب عليها أتباعها حتّى تستعملها في الانتخابات البلدية القادمة، وهي التي جرّبت جدوى الحملات الانتخابية في بيوت الله، نشاط جعلها تفوز بالانتخابات الأولى ما  بعد الثورة...هذه هجمة أخرى من النهضة الإخوانية للتمكين لنفسها في بيوت الله وللتفرّد فيها لتحقيق مكاسب سياسية. هجمة ينبغي التصدّي لها وإجهاضها بكل الوسائل.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire