mardi 3 novembre 2015

المنصور بأبيه


 حبّ الحاكم لولده يجسّده بإرادة التمكين له ما دام على قيد الحياة، وكذا حاول كلّ الحكام  العرب المخلوعين من العراق إلى تونس في عصرنا الحالي. وفعل قبلهم الحكام في التاريخ. فمعاوية بن أبي سفيان الخليفة الاموي، مثلا، ظل يقنع من حوله بان يبايعوا ابنه يزيد خليفة له - يزيد المعروف بخلاعته ومجونه وباستهتاره بالدين حتّى- وهو الذي قتل الحسين حفيد الرسول صلعم وسبا نساء آل البيت وفتح باب الجحيم على أمّة الإسلام فتفرّقت رسميا سنة وشيعة تسيل بينهما الدماء إلى يوم الناس هذا. يزيد، سيّئ الذكر هذا، بعد أن رتّب له أبوه معاوية أمر الخلافة سأله: هل بقي في نفسك شيء أقضيه لك؟  فأجاب: أريد أن أتزوّج امرأة فلان. فبعث معاوية إلى زوج المرأة يطلبه.، وأنزله في قصره، ولم يتركه إلاّ بعد ان قبل بتطليق زوجته مقابل مؤونة خمسة أعوام لقبيلته.
بعدها بعث الخليفة أبا هريرة -رضي عنه- يطلب المرأة لابنه وليّ عهده بمهر ثمين. وعند نزول الصحابي بالمدينة،  سأله من صادفه عن سبب زيارته فردّ بأنه جاء يخطب فلانة ليزيد بن معاوية، فطلب منه بعضهم ومن بينهم الحسن والحسين بنا علي أن يذكرهم عندها. واسى أبو هريرة المرأة المطلقة... وذكر عندها كل من طلبها. فطلبت من الصحابي الجليل أن ينصحها، فارتضي لها أحد سيدي شباب الجنّة، الحسن أو الحسين. فاختارت الحسن فلم يبرح أبا هريرة المدينة إلا بعد أن زوّجها. فلمّا سمع معاوية الخبر قال: اسلمي أم خالد*** ربّ ساع لقاعد. فذهب قوله مثلا.
وحديثنا قياس، المنصور بأبيه، حافظ قائد السبسي، ثبّت قدمه في  حزب نداء تونس بخلق القلاقل حتى ألحق بهيئة المؤسسين، فعدّ مؤسسا بعد سنتين من تأسيس الحزب أي بمفعول رجعي. ومن ثمّ طمع في رئاسة الحزب، تشجّعه في ذلك رئاسة الجمهورية  ممثلة في شخص مدير الديوان الرئاسي. ولجأ إلى  الرّداءة، بعد أن أدرك عجزه عن نيل مراده بالكفاءة، بنشر البلبلة والخروج عن مؤسسات الحزب واللجوء إلى العنف والمليشيات. وأنا اٌقدّر انه ما من عاقل يعتقد  في حياد رئيس الجمهورية ووقوفه على نفس المسافة من الطرفين  المتخاصمين، والحال أن نجله أحد طرفي النزاع... رئيس الجمهوريّة يريد أن يسوّق لنفسه صورة الحياد... ولو كان الأمر كذلك لحرص على سماع الطرف الآخر المقابل، ولما استعجل اعتبار تهديد نواب الشعب المناهضين لسلوك ابنه بالاستقالة من الحزب خيانة مؤتمن، اي خيانة للشعب.
إنّ انقسام حزب النداء يبدو كأنّه امر محتوم. ولو حصل، سيجلس المنصور بأبيه، حافظ قائد السبسي على رأس جزء من الحزب  الذي فقد كفاءات وطنية كبيرة وعديدة. وإنّ المستفيد من النزاع برمته، حركة النهضة التي ستصبح القوّة السياسية الأولى في البلاد، لزمن طويل. ولن يحصل المنصور بأبيه نجل الرئيس على العروس ولن يصل إلى السلطة أبدا. وتبعا لذلك أقول: اسلمي أم حافظ ***ربّ ساع لقاعد.
عبر التاريخ أراد كل حاكم أن يمكّن ابنه في السلطة ولو كان يعلم أنه ليس أهلا لها، وأنه كما نقول بالتونسي "سطل أو راس بغل"، وفي أحيان كثيرة يكون "سطل وراس بغل في آن واحد*. والباجي قائد السبسي أخذ دروسا كثيرة من المرحوم الحبيب بورقيبة، عدا درسا واحدا يبدو أنّه، مع الأسف، لم يفهمه.  الزعيم الحبيب بورقيبة- رحمه الله- رفض توريث ابنه وقد كان الأمر ممكنا بالنسبة إليه،  فبورقيبة الابن كان مثقفا، على أخلاق عالية، وكان ينجح في كل مهمة سياسية توكل إليه  آنذاك، بشهادة الباجي قائد السبسي نفسه.

*ملاحظة عبارة سطل تطلق على المرء الفارغ من المؤهلات، والأخرى تطلق على قليل الفهم محدود الكفاءة الذهنية. 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire