lundi 26 mars 2012

الحكومة التونسية هي المساند الرسمي لتدافع المجتمع

نظرية تدافع المجتمع في تونس بشّر بها راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة،  بعد فوز النهضة بنسبة مرتفعة في انتخابت المجلس الوطني التأسيسي، وعندما سئل عن نية الحكومة المنتخبة، وغالبيتها من حزبه،  تطبيق أحكام الشريعة في المجتمع التونسي كتحريم الخمر وتغيير عادات بعض التوانسة في اللباس وما إليه..أشار وقتها إلى أنهم لا ينوون فعل ذلك في القريب العاجل وأن ذلك لا يحتاج إلى قوانين، وإنما سيتم بالتدريج عبر تدافع المجتمع...والتدافع هو نظرية حكمت عبر التاريخ علاقات الدول والشعوب وتِؤدي ككل تدافع إلى غالب ومغلوب منكفئ.. وهو صراع قد يستند إلى القوة العسكرية ويؤدّي إلى احتلال فعلي لدول من قبل دول أخرى، والتاريخ ليس بخيلا بالأمثلة، أوإلى إحلال شعب مكان شعب آخر عبر صراع أوتدافع على الأرض كما هو حاصل على أرض فلسطين...وإسرائيل حققت في هذا المضمار نجاحا بترحيل الفلسطنيين إلى الشتات وتحقق في يوم الناس هذا تقدما ملموسا في دفع أصحاب الأرض  بالتضييق عليهم  وهدم بيوتهم وقضم أراضيهم... وقد يستند التدافع بين الدول خاصة العظمى في عصرنا إلى القوة الناعمة أي الدبلوماسية فتحقق بعض البلدان لنفسها دون غيرها منافع اقتصادية  في جهات من العالم تملك الثروات

وقد يكون التدافع بين مكونات المجتمع الواحد، في المجمل بين تيارين يحملان مشروعين متناقضين، مشروع حداثي ومشروع سلفي، كما حصل في التاريخ القريب، في العالم الإسلامي، على سبيل المثال في أفغانستان وفي إيران  ...  نجحت حركة طالبان التي عادت  إلى أفغانستان، في تقديرها، بشرعية دحر الاحتلال السوفياتي في دفع البلاد قرونا إلى الوراء باسم تطبيق الشريعة الإسلامية،  وأغلقت المسارح والمرافق المدنية وأوصدت المدارس في وجه البنات، وهجّرت المرأة من الشارع إلى البيت لا تخرج منه إلاّ تحت خيمة، وأقامت الحدود... ولا فائدة من التفصيل في وقائع من التاريخ الحديث...وقد حُسم التدافع أيضا في إيران لصالح الملالي بعد إطاحة ثورة الخميني الإسلامية بنظام شاه إيران الوراثي الاستبدادي العميل لأمريكا والفاسد... واستند الملالي إلى شرعية الثورة الإسلامية المنتصرة لدفع وجه المجتمع الإيراني الذي كان وقتها منفتحا على الحداثة وتغييره، فضُيّق على الحريات وعلى الفكر وعلى الإبداع والفنون، وفُرض على سبيل الذكر لا الحصر على النسوة جميعا في إيران لباس موحد يقولون عنه أنه شرعي

أما ثورة تونس فهي ثورة شعبية بامتياز ثورة المقهورين والمهمشين، ثورة الكرامة والحرية، ولم تكن لها أية قيادة حزبية أودينية...ونظرية التدافع التي بشّر بها الغنوشي لا تستند إلى أية شرعية، ولا موجب فكري أو عقائدي لها،  فأبناء تونس- أغلبهم-  موحدون تحت لواء الإسلام والسنة النبوية الشريفة والمذهب المالكي...هذا التدافع الذي دعا إليه الغنوشي، لا بارك الله فيه( أي التدافع)، ظاهره نصرة الدين وباطنه ضرب مدنية الدولة وتقويض القيم الجمهورية-التي ضحّى في سبيلها أمجاد الوطن وروّوا أرضه بدمائهم الزكية- لإرجاع تونس قرونا إلى الوراء بتدمير كل مكتسباتها الحداثية التي لا تتعارض، أصلا، مع مقاصد الإسلام السمحة... هذا التدافع غايته الحقيقية الإستيلاء على السلطة  والحفاظ عليها باسم الدين، لإقامة دكتاتورية لاهوتية على الطراز الإيراني

هذا ولقد تفاجأت الغالبية العظمى من التونسيين، بعد أيام من ثورة 14 جانفي في تونس، بظهور ما يسمّى بالتيار السلفي، طلع في البداية محتشما، ثم استفحل ظهوره ونشاطه بصعود حركة النهضة إلى سدة الحكم،.فأصبح أتباعه يتحركون في شكل قطعان،يتنادون ويتناصرون ويعتدون على حريات الأشخاص  بالعنف اللفظي والجسدي، ويعطلون المرافق الحكومية بإقامة الاعتصامات كما حدث في كلية منوبة ...حضورهم في الشوارع أصبح دائما يرفعون أعلام أسامة بن لادن السوداء وتجرّؤوا مرّة على إنزال علم تونس وتعويضه بعلمهم. يكفرون المنادين بالدولة المدنية، ويوزعون مشروع دستور دولة الخلافة... يعنفون المحتجين على الحكومة والصحافيين الأحرار وأعوان الأمن، ويشتمون النساء وينعتونهن بالوسخ وبالفجور ويضربونهن في الطريق العام... كل هذه التجاوزات حصلت في شأنها نوازل وشكايات ولكن وزارة الداخلية لم تجتهد في إلقاء القبض على أي مدّعى عليه من السلفيين


والغريب أن  نبرة المسؤولين الرسميين تتسم تجاههم بالنعومة، يبررون خروجهم إلى الشارع بما عانوه من كبت زمن بن علي،  ويصفون كل ما يقال عنهم بالتهويل. أمّا تصريحات وزير التعليم العالي  فهي تدين في كل مرّة عميد كلية الآداب وتقلل من شأن اعتصام السلفيين...وراشد الغنوشي ينظر إليهم بحنيّة مشجّعة، وقال فيهم: هؤلاء يذكرونني بشبابي...أمّا وزير الداخلية فلا يرى بأسا من تجمهرهم ماداموا لا يخلّون بالنظام، ولم يلق  أعوانه القبض على أيّ مطلوب منهم... وحركة النهضة  لا ترى بأسا في الترخيص لحزب السلفيين حزب التحريرالذي يرفع "لاءات عَشر" هي خطر على كيان الجمهورية وعلى النظام الديمقراطي المنشود، أبرزها لا للديمقراطية، لا للّائكية، لا للجمهورية،لا للانتخابات، لا لمجلة الأحوال الشخصية.... و تنظر بعين الرضى لخروجهم في مظاهرات لنصرة الدين والشريعة. بل ونرى في التظاهرات توحّدا بين قواعد الحزبين، أي السلفيين والنهضاويين

 ولقد تبيّن أخيرا بما لا يدعو للشك أن الحكومة هي المساند الرسمي للسلفيين في تحركاتهم تشجع  التدافع بينهم وبين دعاة الحداثة والتشبث بمدنية الدولة وكأنها تستعجل الحسم والنتيجة المرغوبة منها: إقامة الدولة الدينية أو الخلافة السادسة كما ورد على لسان حمادي الجبالي. وأبرز صورة لهذه المساندة ما حدث أمس الأحد عندما رخصت وزارة الداخلية لتظاهرتين في يوم واحد وفي فضاء واحد: تظاهرة للسلفيين بعنوان نصرة الدين وجعل الشريعة المصدر الأساسي للتشريع في الدستور، وتظاهرة أخرى أقامها المسرحيون التونسيون امام المسرح البلدي بتونس  بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، أرادوها احتفالية يُخروجون فيها المسرح إلى الشارع ركح الحياة... وكان أن هجم السلفيون على المسرحيين وعنفوهم وطردوهم حتى انكفؤوا إلى داخل المسرح في مشاهد محزنة، ولم يأت تدخل الأمن إلاّ بعد أن وقعت الفأس في رأس المسرحيين... وأتبعت الحادثة المؤلمة ببلاغ من وزارة الداخلية في نشرة الأنباء المسائية على التلفزة الوطنية يقول إن الفعاليتين مرّتا بسلام ودون حوادث تذكر... وجاء من الغد التنديد

هذا التدافع يقسم المجتمع التونسي الذي ما عرفته شخصيا، رغم الخلافات في الأفكار والرؤى، إلا موحدا... فكرة التدافع شحنت قلوب السلفيين بالكراهية والتعصب وبغض كل ماهو حداثي ومدني، حتى لترى لهم أدمغة مغسولة مشحونة تكرر الكلام نفسه دون منطق أو مناسبة أو إبداع، تصر على فرض وجهة نظرها بكل الوسائل وعلى احتلال المساحات... والسؤال المطروح هذا التدافع أو الدفع إلى متى؟ .... إلى أين؟... هذا التدافع الذي لا مبررله كيف نقضي عليه؟ هذا التدافع الذي يراد فرضه في المجتمع ينبغي أن تُرجِّح فيه  الحداثة- التي لا تتناقض مع مبادئ ديننا الحنيف رغم جهل الجاهلين- الكفة لتوجّهاتها ، وينبغي أن يكون للمرأة الدور الأبرز  في هذه المواجهة ، لأنها المستهدفة الأساسية من قوى الردّة باعتبارها عمادا من أعمدة المشروع  الحضاري الحداثي، إذ كيفما تكون منزلة المرأة، تكون طبيعة المجتمع

 ملاحظة: فيما يلي أشرطة فيديو تبيّن على التوالي، العلاقة الحميمية بين جماهير النهضة والسلفيين/ اعتداء السلفيين على المسرحيين يوم الأحد  25مارس2012/ اعتداء سلفي على السيدة عون الأمن











2 commentaires:

  1. إلى أين ؟ أعتقد بعد وصول الأمر لاعلان زعيم السلفية تبنيه لفكر القاعدة و مع كل ما ذكرته فلن نبالغ لو قلنا أن الإجابة هي : إلى حرب أهلية و سيناريو جزائري أو إيراني

    RépondreSupprimer
  2. apotheosis: . هؤلاء يحملون قيما غريبة عن الشعب التونسي، ولا يطلبون إلا العنف الذي هو جوهر عقيدتهم، ولا يبرعون في غير ذلك. فلا ينبغي أن تنجر غالبية التوانسة إلى الدخول في لعبتهم بالانخراط في مشروعهم العنفي الفتنوي ...ولن نعدم الوسيله للدفاع عن قيمنا الحضارية التونسية الأصيلة

    RépondreSupprimer