mercredi 7 septembre 2011

الأميّة السياسيّة

              المشهد التونسي  بكلّ مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية على صفيح وهّاج ساخن ومتحرّك، التوازن فيه  دقيق وهشّ. السبب الأساسي لهذا الوضع، في نظري، هو الأميّة السياسية  التي  فُرضت على الشعب التونسي على مدى عقود،  وهي أميّة متفرّعة عن ارتفاع نسبة الأمية بمفهومها العام،  بحيث رسخت  العقيدة لدى غالبية   الناس أنّ السياسة ليست من شانهم، وإنّما هي عمل النخبة، وأنّها فرض كفاية لا فرض عين،  بحيث يغني اشتغال الآخرين، من المثقّفين أو النخبة، عن الخوض في غمارها. هذا في أحسن الحالات، أمّا في أسوأ الحالات، ولست مبالغة في ذلك،  فإن ّالناس من فرط التّهميش والجهل لا يعون وجود السياسة ولا يدركونه. هذه حال الشعب التونسي وهو،  نسبيا في ذلك،  كغيره  من شعوب أخرى في العالم العربي وكأكثر  شعوب              العالم،  بما في ذلك الشعب الأمريكي، كما تشير إلى ذلك دراسات كثيرة.  وفجأة جاءته الثورة المباركة... ومعها الوعي  بأن للمواطن  حقوق على الحاكم  في العيش         المرفه الكريم...  وطفت رواسب الحرمان ومرارات الغبن المكبوتة على السطح.... فهبّ كلّ طرف يسعى إلى  تحسين أوضاعه  في أسرع الآجال... هذا، في تقديري،  يفسّر بقدر كبير حالة الفوضى  المطلبية  المشطّة التي تعرفها البلاد... منذ الثّورة المباركة، أصبح التونسيون جميعا شغلهم الشاغل السياسة...  وابتزاز الحكومة الانتقالية ، رغم علم الجميع  بأن خزانتها فارغة، " وماذا تفعل  المرأة الكيّسة في البيت الفارغ ؟ "، وبأنّهاغير قادرة على اتّخاذ  قرارات مصيريّة، سياسة : تُبتزّ بالمظاهرات والاعتصامات وأخذ مصالح الناس وصحّتهم رهينة، وبقطع الطرقات لتعطيل قضاء حاجاتهم وبالفوضى والعنف


وينسحب على  الأمن التونسي ما وصفناه من  حال الشعب في الأمية السياسية، لم يعرف هذا الجهاز، من النشاط على مدى عقدين ونيف، سوى كونه أداة تنفيذ لما فيه مصلحة صاحب الكرسي، التي هي ليست في كل الأحوال مصلحة الشعب، فهو لا يعرف حتّى صلاحيات  العمل النقابي وحدوده وآلياته... العمل النقابي  ليس وسيلة ابتزاز... ولا يلجأ الهيكل النقابي إلى وسيلة الاعتصام لتحقيق المطالب إلا بعد استيفاء مراحل ووسائل   أخرى، حتى لا يتمّ الإضرار بمصلحة المؤسّسة،  وبمصالح المجتمع في  الأمن والاستقرار بالنسبة إلى نقابة الأمن... فليس عزل   كوادر من الحرس الوطني وتنصيب بدائل لهم، كما حدث في ثكنة العوينة من العمل النقابي في شيء...  وليست الاعتصامات العشوائية في قطاع حسّاس  كالأمن من العمل النقابي في شيء...والنتيجة حلّتّ الحكومة نقابات الأمن... أزمة بين الحكومة والأمن سيكون ضحتها بالتأكيد المواطن.... هذه الأزمة، برأيي، " كبّرها تكبر، صغرها تصغر " لا ينبغي أن تنفخ فيها وسائل الإعلام، بما في ذلك الفيسبوك،  لتأجيج لهيبها... فليراجع كلّ طرف نفسه  بكلّ نزاهة وموضوعية، وكل واحد " ينقّص من  روحو ".  ونحن التوانسة لا خيار لنا إلاّ  التّوافق... وإن لعبة الديمقراطية ليست سهلة...  لكن بالصبر، على بعضنا البعض، نـتعلّمها ونمارسها بأخفّ الأضرار ونصل إلى برّ الأمان... وتكون  تونس أول ديمقراطيّة عربيّة  حقيقيّة إن شاء الله

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire